لو حدثت ظاهرة "الكوكو بيتش" في زمن بن علي، لقفز عليها الطرابلسية وأطردوا من فيها حتى بالرصاص ثم لصنعوا لها قوانين على المقاس باستثمارات الدولة وتكون مخصصة للأثرياء فقط وربما أصبحت منطقة محررة "Off shore" وربما صنعوا منها العشرات من الكوكو لإغلاق الشواطئ الجميلة على الناس، بناء على عقيدتهم التاريخية في البحث عن شيء ملك الشعب لاحتكاره والإثراء منه بأموال الشعب دون دفع مليم للضرائب ولا حق الاستغلال ولا انتظار دراسات ولا ملفات، الذين يدافعون عن الكوكو هم يدافعون في الواقع عن ثقافة الأثرياء الذين يحتكرون بأموالهم أجمل الأماكن العامة، أما الأسرة التي تجلب ماقرونة ودلاعة وبيدون ماء، فيجب منعها من البحر الذي لا يليق بالفقراء،
الذي حدث بعد الثورة أن آلاف الطرابلسية ظهروا لوراثتهم في طريقتهم في خلق الثروة: البحث عن شيء ملك الشعب ثم افتكاكه وفرض أفحش الأسعار عليه دون ضرائب ولا تراخيص أسوة "بالكبايرية متاع البلاد"، إذا كان هؤلاء الكبايرية يستولون على الملك العمومي بمساندة المسؤولين وبحمايتهم، فإن كل ما يحتاجه الجماعة الجدد هي العياقة والتبوريب والاستهانة بالدولة وأن يجمع أحدهم عشرين أو ثلاثين شخصا للاحتجاج على أنهم "الشعب يريد"،
وإذا لم يكن لك "شعب" فيمكنك انتداب مجموعة منحرفين يواجهون أعوان الدولة عند تنفيذ القانون بالحجارة ويحرقون العجلات ويغلقون الطرقات، عادة تختار الدولة "السلم الجبان" وتتركه يفعل ما يريد، وهكذا، استولت مجموعات منحرفين على الشواطئ ومآوي السيارات في كل البلاد،
أذكر مرة في شاطئ كان مهجورا بين برج السدرية وسليمان ذهبت إليه مع العائلة فوجدتها خائضة والناس هاربة بسياراتها لأن ثلاثة مراهقين استولوا على المكان الذي لم يكن مهيئا وليس فيه أي شيء سوى أن هؤلاء المنحرفين المسلحين بسيف وسكين وعصي قرروا أن يأخذوا دينارين على كل سيارة وقتها، ثمة كهل في الأربعين مع زوجته وثلاثة أطفال رفض ذلك أو ناقش معهم التفاصيل، ضربوه بسكين في ظهره وقذفوا الناس بالحجارة ولم يأت أحد لنجدة المواطنين البسطاء، حيث الحكمة الوحيدة هي أن تدفع لهؤلاء المنحرفين، لأن الدنيا هكذا، كان عجبك؟
أذكر أيضا أني كنت أضربها يوميا من العاصمة إلى تازركة من أجل شاطئها الجميل الطويل وأخلاق أهلها، عاد أول مرة بحثت عن الإباندي المكلف بالفلوس في المأوى، رأيت شابا ضخم العضلات يلبس مريولا أبيض قلت هذا هو وسألته كم المأوى؟ قال لي بلاش، أي واحد يطلب منك فلوس اعمل لي أبال فقط، واستدار لأرى كلمة شرطة على المريول، لكن ذلك لم يستمر للأسف،
فكرة "الكوكو" هي نفسها، لكنها تواجه مشكلتين مبدئيتين من حيث القانون: بأي حق يجي مواطن لإغلاق الشاطئ الذي هو ملك عمومي لجميع الشعب ويطلب أجرا عليه، أصلا، ربما يكون ذلك الشاطئ منطقة مصنفة لحماية البيئة مثلا، ثم: بأي حق تكون أنت ولا يكون غيرك الذي هو أقدر منك على أجود الخدمات وأفضل الأسعار وعلى احترام القانون؟ لماذا لا يتم تحديد مساحة "الكوكو" مقارنة بحق بقية الشعب وتسويغها في ظروف شفافة لمن يضمن خدمة أجود وأكثر احتراما للقانون؟ غير ذلك، هي رائحة الفساد،