حتى لا يوهمنا أي أحد أنه يعيد اختراع الماء الساخن، فإن مسألة نقل الفسفاط على حزام هيدروليكي تحت الأرض أو فوقها نحو معامل المجمع الكيمياوي ليست اختراعا ولا مشروعا جديدا، فقد قتلها مهندسو فسفاط قفصة دراسة منذ عدة أعوام وآخر الدراسات التي اطلعت عليها تعود إلى 2018،
لكن المشكل الأول هي كلفتها الكبيرة والتي لا يمكن استرجاعها إلا على مدى طويل والثاني هي لوبيات الفساد التي وجدت دعما دائما من السلطة حتى أبطلت طلب العروض الذي أطلقته الشركة منذ 2018 في أصغر مشاريع النقل الهيدروليكي للفسفاط من المغسلة عدد 3 بالمظيلة إلى معامل المجمع الكيميائي التونسي على مسافة 18.5 كم بقنوات تحت الأرض، كلفتها وقتها 125 مليون دينار، يجب مضاعفتها ثلاث مرات اليوم،
والثاني كبير وطموح حقا لكن بكلفة فلكية بالنسبة للشركة وحتى للدولة 1350 مليون دينار وقتها أي مرتين ونصف الآن: نقل الفسفاط على مسافة 180 كم من الحوض المنجمي إلى الصخيرة حيث مصانع المجمع الكيمياوي ومعمل تيفارت التونسي الهندي مع محطة تحلية مياه البحر بالطاقة الشمسية هناك تنتج 160 ألف م3 يوميا وإعادة نقلها إلى الحوض المنجمي على نفس المسلك الهيدروليكي وهذا يتطلب محطات ضخ وإعادة ضخ نحو مرتفعات الحوض المنجمي، لكن هذا الحلم توقف عند حد الحديث عن دراسة الوضع الطبوغرافي والعقاري لتحديد المسار النهائي الذي سيتم اعتماده.
لقد أتاح لي العمل مع الدكتور منجي مرزوق وزير الطاقة وقتها فرصة الاقتراب من الكثير من المهندسين والخبرات التي تزخر بهم الشركة ولهم اطلاع على تجارب نقل الفسفاط في المغرب وغيرها ولديهم أحلام وحلول ممكنة، فقط المشكل في الرؤية الانتهازية للدولة لشركة فسفاط قفصة باعتبارها دجاجة تبيض ذهبا للحكومات في إدارة محكومة بالبيروقراطية والتعليمات والبحث عن السلم الاجتماعية المزيفة، تكاد تكون ممنوعة من تطوير الاستثمار وتمويل الأبحاث ولا تفكر في تثمين الكفاءات الرائعة لديها،
الآن، لتحقيق حلم نقل الفسفاط في أنابيب تحت الأرض أو فوقها، لا حل إلا في رهن الشركة أو إدخالها في شراكة مجحفة مع مستثمرين خواص ستكون لهم شروطهم القاسية عليها لأنها غير جاهزة للانتقال من البيروقراطية العمومية إلى التصرف الربحي القاسي، إذ لا أحد سيرغب في الشراكة معها وهي في وضعها الحالي حيث هي رهينة للوبيات محلية باسم "الدور الاجتماعي" وشركات البيئة وغيرها من التسميات الوهمية،