باهي: أنا أعود إلى قانون الوظيفة العمومية عدد 112 لسنة 1983 الذي يفرض عليّ واجب التحفظ وعدم نقاش "الخرم" الداخلي للمؤسسة في الفضاء العام، لكن، أحد عشر موقعا رسميا للإذاعة التونسية على الانترنيت أصبحت متوقفة دون أن يثير ذلك تساؤل أحد من المسؤولين، لا ميساج صفحة 401، لا 402، ولا حتى 404، لا بيان اعتذار لدافعي الضرائب ولا للمعنيين بمؤسسة سيادية في هذا الوطن الكئيب.
في المقابل، ثمة مواقع خاصة تبث صوت هذه الإذاعات، يا للسخرية، فنحن إزاء أكثر صور الفشل العمومي في التسيير إحباطا وكآبة وبمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة أيضا، وبعد أن أصبحت الانترنيت المصدر الأساسي لحرية انتشار مؤسسات الإخبار وتمويلها أيضا، منذ أسبوعين تقريبا، أجريت حوارا مع الزميل من قناة الجزيرة محمد كريشان حول تجربة صحيفة الرأي نهاية السبعينات التي يدين لها جيل جميل من الصحفيين التونسيين في كتابة جزء مهم من تاريخ تونس في برنامج أسبوعي حول تاريخ تونس من خلال تاريخ الصحافة، كانت شهادة متميزة وثرية لعلاقته المباشرة بمحتوى الصحيفة ولانفتاحه وحماسه لكل ما يهم وطنه وخصوصا مهنته،
كان سؤاله لي عن الـ podcast أو أي أثر تفاعلي للمستمعين للحصة يمكنه تقاسمه مع أصدقائه على الشبكة كما يحدث في العالم لإعجابه بالفكرة ومحتوى الحوار، مثل "طعنة" مهنية، "ليس لنا سي امحمد، سأحاول أن أرسل لك تسجيلا صوتيا بعد بث البرنامج"، وهو نفس الاعتذار الذي كررته بخجل ودون أي اقتناع مع الكثير من الضيوف الذين شرفوني بالمشاركة في ذلك البرنامج، وهذا لا يكاد يعتبر إزاء مصاعب البث اليومي الذي تقوم به الزميلات والزملاء من هواتفهم في غياب أية علاقة مع طرق النشر الحديث،
"ماهو أنا" ساعات، أتدخل في ما لا يعنيني وأجلب لنفسي المشاكل، عندما تم انتدابي في الإذاعة، ألقيت نظرة فاحصة بصفتي مصمم ومبرمج ومدقق تطبيقات إعلامية على مواقع الإذاعات العمومية، فوجدت أنها تشبه بيتا بلا أهل ولم يكن أطفال الانترنيت بحاجة إلى شيء لاختراقها فما بالك بالقراصنة، ولا شك أنهم لم يفعلوا ذلك إلا نادرا لأنها كانت تثير شفقتهم أكثر من رغبتهم في التحدي، دون اعتبار أنها تشبه أي شيء إلا مواقع إخبارية.
سألت، فقيل لي "إنها بلاش"، بتمويل أجنبي وتصميم مؤسسة خاصة، أيه، من صمم كراس الشروط ومن وضع الكراس الفني؟ من تعهد بمسألة الضمانات التقنية ومن يشرف عليها وأية علاقة صناعية له بها؟ لا جواب في مؤسسة يفترض أنها خاضعة للمساءلة في حق النفاذ إلى المعلومة والحكم الرشيد في أموال دافعي الضرائب، بل إن أحدهم قال لي محذرا: "أش دخلك يا ولدي؟ كول خبزتك مسارقة وانسى المواضيع هذي لا توحل في راسك"،
أشياء ماشية بستر الله لا غير إلى أن وقع ما يتوقعه الجميع: توقفت كل المواقع دفعة واحدة، ليس للسبب الأصلي وهو فساد التصميم والأداء وسوء إدارة المواقع، بل بسبب عدم خلاص مزود الخدمة، وعدم الدفع وغياب أي بديل تقني، لو تم تطبيقه بجدية لأغلقت أغلب المواقع العمومية، ليس فقط على الانترنيت، بل في الواقع نتيجة هرم فساد القرار في المؤسسات العمومية التي سوف تنهار قريبا فوق رؤوسنا، وهو نفس السبب الذي يجعل موظف المصالح العمومية يختزل لك تعطل الخدمة بمتعة بالغة: "خويا الريزو طايح" في الكثير من تطبيقات الإعلامية التي تعتمدها الدولة، لأسباب تثير ضحك الجيل الجديد من مبرمجي الإعلامية، عندما كان يمكن تعهيد طلبة معاهد الإعلامية وأساتذتهم بتصميم وبرمجة تطبيقات الدولة، وحيث يمكن تسيير كل مواقع الإذاعة العمومية من هاتف جوال فقط، مع ضمانات قوية باستمرار الخدمة أيا كانت المخاطر، فقط بمجرد هاتف جوال، اسألوا شباب تونس الذي يهرب إلى أوروبا، بدل عواجز الإدارة العمومية،