بدون عنوان..

Photo

عندما خرج الناس في 14 جانفي اتجهوا للاحتشاد أمام البناية الرمادية وهم يرون فيها رمزا لنظام بن علي. ديغاج هزت يومئذ أركان الداخلية. بقدر ما كانت ركنا ركينا في نظامه اعتمد عليه في القمع والتعذيب وملاحقة المعارضين وعد أنفاس الناس والتصنت عليهم والحد من حرياتهم. وقد سنحت الفرصة بعد 14 جانفي لتتغير صورة الأمن لدى المواطن، وعبر الجميع عن أملهم في أن تبنى علاقة جديدة بين الطرفين وأن يكون الأمن جمهوريا ولاؤه للوطن لا غير.

إلا أن ما حدث في القصبة يوم 25 فيفري 2016 ذكرنا بالصورة القديمة للبوليس.وإلا فما هي الرسائل التي يعطيها اقتحام الآلاف من الأمنيين لساحة القصبة المحظورة على المحتجين من سائر الشعب التونسي؟ ألا يظهرون وكأنهم فوق القانون، أو كأن حملهم للسلاح يسمح لهم بحصار القصبة؟ ألا يضرب ذلك الدولة ومؤسساتها أو ما بقي منها؟ وإلا فما الذي يمكن أن نقرأه من تعليق أحدهم على صفحة ”النقابة الوطنية لقوات الأمن الداخلي“ قائلا ”باش ناخذو حقوقنا بالسيف، بالغورة، واضرب لنا ع الطيارة“، وهل تتصرف العصابات بغير هذا المنطق؟

الأحزاب السياسية والمجتمع المدني من المفترض أن تكون قد اتخذت منذ الساعات الأولى مواقف للدفاع عن الدولة، وأن تعبر بكل وضوح عن رفضها لما حدث في القصبة حتى يشعر المحتجون بأن هناك من يتصدى لمن يخترق القانون. غير ذلك ما الذي تتوقعه الأحزاب والمجتمع المدني بعد أن حوصر مقر الحكومة؟ هل يتوقعون مثلا أن يقوم الأمن برفع الشارات الحمراء في المرة القادمة؟ أم نتوقعهم يصدرون بيانا يذكرون فيه مطالبهم ويترجون الحكومة أن تتفاوض معهم؟

الأحزاب السياسية انقسمت إلى فئتين اثنتين، هناك من صمت وهناك من تكلم. تحيتي أولا إلى من تكلم من تلك الأحزاب. هؤلاء بالفعل استشعروا الخطر الداهم على الدولة. إلى حد الآن وحتى إشعار آخر سمعنا مواقف أحزاب التيار الديمقراطي وحركة وفاء وحركة الشعب، وكنت أرجو أن تكون القائمة أطول. هذه الأحزاب لم تحسبها مع البوليس، لم تجامل ولم تنافق ولم تجبن. لا يهم إن كانت هذه الأحزاب صغيرة من حيث امتدادها الشعبي، المهم أنها كانت كبيرة بقدر موقفها الراهن. وهذا المقياس الحقيقي الباقي. لأن الكثرة في أحيان أخرى تكون كغثاء السيل.

أحزاب أخرى لها حضورها في الحكم أو في المعارضة لا تختلف عن الأحزاب التي اندثرت، لأنها لم تنبس ببنت شفة كأن القصبة بعيدة جدا عن الساحة السياسية، أو لأنها ترتعد من البوليس، إذ جبنت في اتخاذ موقف واضح وحاسم لإنقاذ ما يمكن إنقاذه. وهنا فالأحزاب الفعلية هي التي تصنع الأحداث وهي التي تتخذ الموقف المناسب في اللحظة الحاسمة، وفي السياسة أن تتخذ موقفا وتخطئ خير من أن لا تتخذ موقفا أبدا أو بعد فوات الأوان. وفي قضية الحال الموقف لا يمكن أن يتضمن خطأ لأن معارضة ما قام به البوليس خير ضمانة للدولة المدنية وللحياة الديمقراطية.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات