البركسيت والعاصفة..

Photo

صحيح أن هناك أزيد من 25 سنة بين تفكك الكتلة الاشتراكية من جهة وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوربي من جهة أخرى، لكن الأكيد أنه ليس من المنطقي حدوث حركتين متناقضتين في نفس الوقت، بمعنى تفكك وتذرر شرقا وتوحد وتجمع غربا. الحركة الطبيعة أن الحركتين تكونان من نفس الجنس، وها أن الأمر يحدث ولو بعد ربع قرن.

نتذكر جيدا أن مشروع أوربا الموحدة صيغ لمجابهة ما كان يسمى الاتحاد السوفياتي، في قلب الحرب الباردة، فكان الجبهة المتقدمة بالنسبة لأمريكا، وعندما سقط الاتحاد السوفياتي، استمرت تلك الديناميكية وأرادت حتى الاستفادة من الدول الجديدة التي خرجت من حماية الدب الروسي. هذه الديناميكية بلغت أقصاها، ولم تعد قابلة للاستمرار، بقدر ما اختلفت الأوضاع الجغراسياسية عما كانت عليه في خمسينات القرن الماضي.

أن يبدأ التراجع مع المملكة المتحدة، فهذا الأمر له دلالاته العميقة. ليس فقط لأن المملكة المتحدة دولة كبرى، وهي لا تقارن في صلب الاتحاد الأوربي مع مالطا أو قبرص أو بلجيكا مثلا، وإنما هي دولة لها خصوصياتها بالمقارنة مع بقية مكونات الاتحاد الأوربي حتى الكبرى منها، على الأقل من جهة العلاقة مع الولايات المتحدة تحديدا.

بالنسبة للأمريكان لا ننسى أن الاتحاد الأوربي برمته كانوا قد دفعوا الكثير من ثمن بنائه، منذ مشروع مارشال إلى كل ردهات الحرب الباردة. إلا أن هذا المشروع أصبح يبدو أحيانا وكأنه تفلّت من السيطرة أو لم تعد لهم حاجة إليه كتلك التي كانت له خلال الحرب الباردة، وخاصة عندما يتحول إلى منافس في هذا المجال أو ذاك. نتذكر فقط هنا ما طرأ منذ أشهر لشركة فولكسفاغن الألمانية.

الأمر لا يتعلق بمؤامرة هنا، وإنما للأنقليز الجزيريين ثقافة وروح مختلفة عن الأمم الأوربية القارية. يكفي أن نتذكر هنا أنهم استطاعوا أن يبنوا إمبراطورية لا تغيب عنها الشمس تمتد على مساحة تفوق مساحة القارة الإفريقية برمتها، وتتوزع على كل قارات العالم، وبالنسبة لأوربا لم تضاهيها على هذا الصعيد ونسبيا إلا فرنسا، بينما بقية الأمم الأوربية في أغلبها فجرت أكثر من حرب فيما بينها من أجل الحدود بينها. وكأن شد الأنقليز إلى الاتحاد الأوربي، يتناقض مع المكانة في الماضي، أو كأن السيد المطلق تحول إلى مجرد تابع يدفع الضرائب ويتلقى القوانين أو القرارات التي تصاغ في هذه المدينة أو تلك بالقارة العجوز.

الانسحاب الأنقليزي بمثابة عاصفة شديدة، والأكيد أنه سيحدث خللا كبيرا على التوازن داخل الاتحاد الأوربي، وهو ما ستكون له ارتداداته المتلاحقة على جميع الأصعدة، وفي مختلف مكونات الاتحاد، ليس فقط اليونان التي شارفت على الانهيار ولم تتعاف منه بعد، وإنما حتى المكونات الأساسية وخاصة الثنائي فرنسا وألمانيا، سيعرفان أوضاعا صعبة، ومن الصعب أن يبقى الاتحاد الأوربي بالنسبة للكثيرين قدرا محتوما. مقابل الراحة التي ستبدو على الكثير من الوجوه في العالم، هنا وهناك بدءا من موسكو وصولا إلى الصين.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات