اسمها الرباعي ﭬدرية بنت محمد بن أحمد الطويبي. إلا أن اسمها المجرد كان يكفيها ليعرفها كل سكان القرية كبارا وصغارا. وعلي هنا أن أقول بأن ﭬدرية هي بالضبط خالتي، والأهم من ذلك بالنسبة إلي أنها كانت تعتبرني بمثابة ولدها، حيث لم تنجب ولدا، ومن فرط حبها لي، لو كانت تملك شيئا تورّثه لكان لي فيه نصيب، إلا أنها -بحساب الناس- لم ترِثْ ولم تُورث رغم أن ما عندها أكبر وأهم.
ﭬدرية توفي عنها زوجها وترك لها بنتين، كانت صُغْراهما قد ولدت في أجواء إعلان الجمهورية سنة 1957 فأطلقت عليها كنية "جمهورية" تبركا -ربما- بما بثّه النظام الجديد يومئذ من أحلام تبيّن في آخر المطاف أنها -بالنسبة إليها- مجرد أضغاث، لم تجن منها إلا تلك الكنية. والحقيقة أن ﭬدرية لا يمكن أن تراهن أصلا إلا على كدّ يمينها من أجل أن تعيش مع بنتيها حتى يتزوجا.
ﭬدرية امرأة حملت الزمان، ولم تحلم إلا بأن تزوج بنتيها. وبسبب ذلك كنت لا تراها إلا وهي تغسل الصوف أو تقردش أو تغزل أو تسدّي أو تنسج. تحيك الحوالي (جمع حولي) أو غيرها من الأغطية والأفرشة والبرانس، وكانت القطعة الواحدة تستغرق وقتها وجهدها وتركيزها أياما وحتى أسابيع من حياتها.
ولو أمكن لما تصنعه أن يوصف لما وصف بغير الصناعة البيولوجية. وبعد أن تنتهي من صناعة القطعة الواحدة تحملها بنفسها وتذهب مشيا على الأقدام إلى سوق دوز، حيث كان يلتقي التجار لتعرض عليهم بضاعتها فتبيعها أو تتركها بأحد الدكاكين إلى موعد السوق الموالي. وفي انتظاره تعود إلى صوفها الخام تغسله أو منسجها بقريتها البعيدة.
ﭬدرية امرأة بألف، هي من مثل اللاتي عرفهنّ الطاهر الحداد في بلدته الموغلة في الدواخل، ولكنه لم يجد مثلهن في الحاضرة. فكتب وفي مخيلته إحداهن من أجل تحرير امرأة المدينة. ﭬدرية رحمها الله.