القضاء والسياسة..

Photo

لم يسبق أن علقتُ على قضية المرحوم لطفي نڤض، لسبب أولي وهو أنني لا أملك حولها كل الحيثيات أو المعطيات الكافية، ولكن أساسا لأن الإيمان باستقلالية القضاء يستوجب الابتعاد عن الخوض في القضايا المنشورة أمامه.

صحيح أني لست قياديا حزبيا ولا حتى منتميا إلى حزب سياسي، بحيث أن الإدلاء بدلوي لن يكون له أي تأثير على القضاء ولا على غيره، وصحيح أيضا أن السياسيين والإعلاميين والمحللين وغيرهم طالما تناولوا أمام الملأ هذه القضية وغيرها من القضايا ذات الصبغة السياسية المنشورة أمام القضاء، فما ضرّ لو ناقشتُ الأمر وأنا الذي لا مسؤولية سياسية لي، ولكني لم أفعل، لاعتقادي أن الذين كانوا يفعلون ذلك إنما هم يكشفون عن ازدواجيتهم، إذ هم بذلك يضغطون على القضاء من أجل إخضاعه من جهة، ومن جهة أخرى نراهم ينادون باستقلالية القضاء.

لقد رأينا في هذه القضية التوظيف السياسي الفج، زائد الضغط من أجل التأثير على القضاء، بعد التأثير بواسطة الإعلام على الرأي العام. واستمر ذلك طيلة سنوات أربع، بل رأينا إلى آخر لحظة قياديين حزبيين يحضرون المحاكمة بدون وجه حق، سوى الوجه السياسي، وحضورهم كان للدفاع عن كل ما قاموا به من توظيف حزبي وسياسي. ولو كان حكم القضاء منسجما مع تحاليلهم وأمانيهم، لهان الأمر عليهم، حتى وإن فُهم ذلك على أنه نجاح في الضغط على القضاء، إلاّ أنه لم يكن كما أرادوا، مع الأسف لهم.

هم من الآن فصاعدا في مرحلة الدفاع عن أنفسهم دفاعا عن توظيف المسألة حزبيا وسياسيا ودفاعا عن الفوائد التي جنوها. ولا نستغرب حينئذ أن يصرّوا على نقاش الحكم القضائي. السياسيون الذين يعودون لنقاش الحكم ويتهمون القضاء بالانحياز الخ، هم يعودون من جديد إلى ازدواجيتهم. القضاء العادل عندهم هو القضاء الذي يحكم بما يريدون، غير ذلك يرون فيه قضاء غير محايد.

أما عندما تتحول البلاتوهات التلفزية إلى جلسات قضائية ويتحوّل المشاركون فيها إلى حُكّام يناقشون الحيثيات والحجج على الملأ، فهم يجرفون الكثير من الأشياء، ربما أوّلها القضاء، ولكن بالتأكيد الطبقة السياسية برمتها، وما وراء ذلك.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات