تمثال الحصان وراكبه..

Photo

للتونسيين تاريخ طويل مع التماثيل. عندما أرادت السلطات الاستعمارية أن تنصب تمثال الكاردينال لافيجري سنة 1925 في ساحة النصر في مدخل المدينة العتيقة، انتظمت مظاهرات رافضة انتهت بالسجن والنفي لعدد من الطلبة الزيتونيين، ثم جاء الاستقلال وتحقق مطلبهم باقتلاع التمثال من مكانه. وأغلق قوس. أما بالنسبة لتمثال الحصان وبورقيبة فقد نصب يوم 18 جانفي 1978، ولم يمر إلا أسبوع واحد على تنصيبه حتى جرت مجزرة 26 جانفي الرهيبة التي ذهب ضحيتها مئات التونسيين، ومثلهم من الجرحى والمساجين، وما يناسبهم من اليتامى والثكالى والأرامل. ولم يحسّ التمثال ولا صاحبه بأحزانهم وأوجاعهم أو لم يكن يهمه أمرهم.

لقد استمر وجود هذا التمثال هناك 10 سنوات وبضعة أشهر، ثم وقع تحويله إلى مدخل حلق الوادي، وفي ذلك تكريم له، حسب ما أفهم، وأما أن يعاد اليوم تنصيبه قرب مكانه الأول، فالأمر يكشف عن فقر في القراءة وقحْل في الخيال، تطبيقا حرفيا لما أشار إليه مالك بن نبي من ارتباط بين غياب الفكرة وبزوغ الصنم. ومن هذه الزاوية فهذا التمثال لن يستمر هناك طويلا. يكفي أن نتذكر أن المكان نفسه شهد انتصاب تمثال جول فيري ثم اقتلاعه بعد ما يقرب من الستين سنة، ثم شهد انتصاب هذا التمثال نفسه ثم اقتلاعه، والمكان نفسه تقريبا رددت فيه الجماهير ديغاج للإطاحة بالمستبد الحي، وأيسر من ذلك إزاحة مستبد ميت.

تنصيب التمثال في هذا الوقت وفي هذا المكان بالذات فيه مغالبة، وفرض من جانب واحد للرموز بما يعنيه من اغتصاب للذاكرة الوطنية. وإذ يجتمع كل ذلك معا، فأمر إزالة التمثال لا يعني بورقيبة تحديدا وإنما المستظلين بحصانه، ممن لا يهمهم حقيقة ما فعله الرجل في الحركة الوطنية أو في بناء الدولة بقدر ما يهمهم إخضاع تلك الدولة لمصالحهم الضيقة.

ولذلك أعتقد أن مصير التمثال لن يكون أفضل من مصير سلفه تمثال جول فيري، أي أنه سيأتي اليوم الذي يقتلع فيه من هناك إلى غير رجعة وبدون تحسّر، وسيفكر من سيفعل ذلك بضرورة الحيلولة دون إعادته مرة أخرى إلى حيث يعود الآن، وبالتالي لن يجد مكانا آخر يحتضنه، لأن مصيره سيكون شبيها بمصير تمثال الكاردينال لافيجري الذي وقع تدميره تماما والاستفادة من المعدن الذي صنع منه، أو كذلك مصير تمثال جول فيري الذي حتى فرنسا نفسها لم ترغب في استجلابه رغم أنه قدم لها كهدية.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات