هذا مقترح عبر عنه مؤخرا لطفي العبدلي، وسبق أن عبر عن مثله مثقفون وفنانون كثيرون. وهو يعني أن الفنان أو المبدع الناجح ليس في حاجة إلى وزارة الثقافة حتى ينتج أو حتى يعيش، بمعنى أن السينمائي أو المسرحي أو المطرب أو الرسام أو الشاعر أو الروائي... لا يستحق بطاقته الفنية إن كان لا يستطيع أن يقوم بعمله إلا بدعم من وزارة الثقافة، هناك الكثيرون في كل مجال لا يعرفون أين تقع وزارة الثقافة، ومع ذلك فقد تحولوا إلى رموز للثقافة التونسية وعنوان فخرها. في المقابل كثيرون غيرهم لا علاقة لهم بالإبداع، بل منهم من لا يعمل إلا من أجل أن يقنع باستحقاقه لدعم جزيل من الوزارة، حتى وإن لم يعرض بضاعته على الجمهور.
ماذا يمكن أن نسمي الحصول على مال دون مقابل من الجهد والتعب؟ ما الفرق في آخر المطاف بين هؤلاء والمتسولين؟ أليسوا مجرد متحيلين على الدولة، زائد أنهم قادرون على التخفي؟ ألا يجدر بهم -من باب الاحترام لأنفسهم أولا وتوفيرا للمال العام الذي يبدون الحرص عليه- إلا أن يغيروا مجال نشاطهم نحو ميادين منتجة، يحفظون بها كرامتهم؟
المثير للسخرية والرثاء أيضا أن بعض هؤلاء المبدعين، تراهم يطلبون دعم وزارة الثقافة في عملهم الأول والثاني والثالث… والعاشر والأخير، ويحصلون عليه في كل مرة كما لو أنهم في بداية المشوار، وبفضل ذلك الدعم، وليس من مدخول إنتاجهم، يملكون القصور والضياع فضلا عن الرحلات والأسفار إلى أصقاع الدنيا، ولذلك تراهم حريصين على الزيادة في نسبة نصيب وزارة الثقافة من ميزانية الدولة. وبعد أن يطول بهم العمر، ينتقل الواحد منهم إلى طلب دعم وزارة الصحة أو حتى وزارة الإسكان أو أي من الصناديق الاجتماعية، بدعوى خدماته للثقافة.
بل وفيهم من لا يقف عند ذلك وإنما يمرّر الشاهد إلى ابنته أو ابنه ويورّثه/ها العلاقات التي بناها في الوزارة ولجانها، ولا يستقر له قرار حتى يحصل الوريث على أكثر من الإرث، مقابل ما يَشهد به الوالد لولده بأنه إبداع، حتى وإن كان بعيدا عن الجمهور، وعن هموم الناس.
صحيح أن السوق التونسية، ليست من الاتساع لتمكن السينمائي أو المسرحي أو الأديب أو أي فنان آخر من العيش من إنتاجه الإبداعي، ولكن في نفس الوقت ما الذي قام به هؤلاء حتى يوسعوا من دائرة جمهورهم؟ هل استعمال اللهجة الدارجة مثلا يمكن أن يساعد على إيصال ذلك المنتوج السينمائي أو المسرحي إلى السوق العربية مثلا؟ وهل استطاع شاعر واحد أن يبلغ ما بلغه الشابي من مكانة في المشرق العربي؟ بمعنى ما الفائدة من دعم وزارة الثقافة إن بقي المستفيدون في دائرة المحلية؟ وإذ لم يستطيعوا دفع تذكرة الطائرة حتى من الدرجة الثانية، فهم لا يستحقون حتى ما فات من الدعم، ولا يمكن أن تبقى وزارة الثقافة تكية للمتواكلين، وإن صارت كذلك فهي مدعوة للإلغاء.