توافقكم المغشوش.. وتوافقنا الوطني

Photo

تناقلت صفحات مواقع التواصل الاجتماعي ما كتبه الإعلامي صالح عطية حول ما قد يكون حصل من توافق بين نداء تونس وحركة النهضة على سيناريو إنهاء هيئة الحقيقة والكرامة.

ذلك -لو حصل- لا يمكن أن يوصف إلا بالجريمة البشعة، أبشع وأفظع مما تعرض له كل من سمعناهم على منبر هيئة الحقيقة والكرامة، وغيرهم بالآلاف أقصد عشرات الآلاف. هي جريمة إضافية في حق كل من طحنتهم منظومة الاستبداد وقهرتهم وعذّبتهم وقتّلت منهم المئات ودمّرت مساراتهم وحياتهم وقضت على آمالهم وأحلامهم، طيلة ستين عاما. ولو حصلت هذه الجريمة فهي بكل المقاييس أكبر من كل الجرائم السابقة التي كانت بالتقسيط على الأفراد، بينما هذه الجريمة أسدلت الستار على كل تلك الجرائم دفعة واحدة.

بعدها نتوقع من الحزبين المذكورين كل شيء، في حقنا وفي حق أبنائنا. نتوقع منهما التعذيب والتقتيل والقهر والتدمير، والفساد والاستبداد، ما دام كل شيء يمكن أن يمرّ تحت غطاء التوافق. ولا أقل إذن من تسخير الوقت والجهد للنضال ضد من نتوقع منهم الإجرام في حق الأجيال القامة بعد دفن جرائم الأجيال السابقة.

سيناريو القضاء على هيئة الحقيقة والكرامة، يدخل ولا شك فيما وعد به نداء تونس المراهنين عليه ممن ارتكبوا تلك الجرائم وصوتوا له من أجل ذلك، وسعيا منه لضمان مساندتهم في الاستحقاقات القادمة، أما بالنسبة إلى النهضة، فيعتبر من باب تنازل من لا يملك لمن لا يستحق. فإذا كان أتباعها ممن اطلعنا على بعض أوجاعهم وتأوهاتهم ودموعهم قد سلّموا لها بذلك، ولا أعتقد ذلك، فلا أحد غيرهم ولا حتى كمال المطماطي منحها الحق في التنازل عن حقه ولا حقوق غيرهم من عشرات الآلاف ممن تعرضوا للمظالم من يوسفيين ويساريين ونقابيين وقوميين وطلبة وحقوقيين وحتى إسلاميين أفرادا ومجموعات.

لا يحق لمن يقدم نفسه متحدثا باسم الشعب أن يتاجر بحقوق المظلومين، ولن يهنأ بعدها بما يمكن أن يحصل عليه، من امتيازات أو غيرها، جميعهم يتوقعون بعد ذلك حربا شعواء، لن تنتهي إلا باندحارهم من على صدورنا. من الآن فصاعدا نعدهم بالدفاع عن أنفسنا بحناجرنا وأقلامنا وكل ما نملك من أجل أن لا تتم الجريمة.

هيئة الحقيقة والكرامة هي المربع الأخير للثورة. بقدر الحقيقة التي ستكشف عنها هي تضمن أن لا تتكرر الجرائم التي عانت منها الأجيال. بعدها لن يكون للحياة من معنى إلا النضال من جديد ضد المنظومة الإجرامية.

توافقكم لا يهمنا، لأنه مغشوش، يتم خلف الستائر بما يصحبه من تلاكم وابتزاز وضغوطات. خلاف ذلك هيئة الحقيقة والكرامة حققت التوافق الوطني الحقيقي وقد رأيناه خلال جلسات الاستماع، وقّع عليه بدموعهم الحاضرون والمتفرجون من وراء الشاشات ولم تمنعهم دون ذلك انتماءاتهم السياسية والإيديولوجية ومواقعهم الحزبية وصراعاتهم وخلافاتهم وحتى تجاذباتهم. ما تقوم به حاليا هيئة الحقيقة والكرامة من مطالب الأجيال الماضية فلا تحاولوا قتلها، وهي أفق نحو المستقبل الجميل، فلا تطمسوه.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات