تكلم شفيق الجراية متوجها إلى غريمه كمال اللطيف: "أنت شد كلابك وانا نشد كلابي". بمعنى أن المعارك أو كثير منها لا تعدو أن تكون مجرد مبارزات بين الكلاب. وللتنسيب في هذا المقام، هم ليسوا جميعا كلابا تنبح لفائدة هذا أو ذاك، ويمكن لجمها إذا اقتضى الحال، واتفق أصحابها على "سلام الشجعان"، إلا أن الأنكى هو أن ذلك الحديث الواضح الفاضح لم يثر لغطا في مستوى السبة التي وجهت إلى القائمين بالمعركة، وأنى للكلاب أن تحتج أو تهاجم الماسك بلجامها ومطعمها من جوع.
ومن الكلاب ما ينتصب مديرا لجريدة أو منشطا متحمسا لطرف ضد آخر أو محللا لا يشق له غبار أو قياديا حزبيا تصفق لهم الجماهير وينتظر اليوم الذي ترفعه على الأعناق، إلا أن حقيقتهم أنهم جميعا يتفقون على رفع الساق الأخيرة ليتبولوا على الجهة أو الفريسة التي يشير إليه الماسك باللجام. ويبصبصون بذيولهم بالنتيجة عندما يطلب منهم ذلك. دعكم من الأسماء كبر شأنها أو قل.
إلا أن التنسيب واجب هنا ومن الموضوعية وإعطاء الحق لذويه أن لا نحشر الجميع ضمن نفس الخانة، فمن الصحافيين شرفاء. لم يخلُ منهم زمن استبدادي، الواحد منهم بألف. والاستثناء من الحديث عن الكلاب لا يستثني الشرفاء فقط. وإنما هناك حقيقة من هم دون منزلة الكلاب.
لأن الكلاب تعرف ما يطلب منها، ويبقى لكل واحد منها الحق في التنفيذ والإخراج، ولكن هناك الأدنى منزلة من الكلاب وهم الذين يقلدونها في نباحها ولا ينتبهون إلى أنهم يشتغلون لفائدة أطراف لا تلتفت إليهم في آخر الأمر حتى برغيف جاف، فتراهم ينبحون وهم يحسبون أنفسهم يمارسون بحرفية واقتدار واستقلالية رأي، أو أنهم أصحاب مبادئ كبرى ومواقف شجاعة و زعامة، وإنما هم دون الكلاب منزلة وأبأس. كلاب سائبة.
حالة يرثى لها، فالكلاب تنال ثمن نباحها قل أو كثر، وهؤلاء يعملون مجانا، حتى وهم يسابقون الكلاب في جريها وقد يتفوقون عليها في الجلبة والمعامع.