مصر والنهضة..

Photo

كل ما حدث ويحدث في مصر مرتبط بسد النهضة الأثيوبي. نتذكر فقط أن الشروع في إقامة هذا السد بدأ يوم 28 ماي 2013. وأن فترة الإنجاز تستغرق 44 شهرا أي إلى مطلع 2017، فكان لابد خلال هذه الفترة من تحييد مصر حتى لا يكون لها موقف أو عمل حاسم لإيقاف بناء السد. فكانت حشود 30 يونيو ثم انقلاب 3 يوليو 2013. والمهم بعد ذلك أن بناء السد استمر منذئذ في ظل صمت أو ما يشبه الصمت الرسمي. علما وأن الانتهاء من بناء السد ينتهي سنة 2017. وهو ما يعني أن النظام الحالي يستمر إلى ذلك الحين، بعدها كل شيء ممكن في مصر، لكن بعد ماذا؟ بعد أن تكون مصر، عوض أن تحول دون بناء السد كما كانت قادرة على ذلك في 2013 أو حتى في 2014، تصبح أكثر حرصا -من أثيوبيا- على استمرار السد الأثيوبي الذي للمفارقة سيتزود على حساب حصتها من النيل، وعلى حساب حياتها ووجودها.

نتذكر المجاعات التي كانت تحدث في أثيوبيا إلى وقت قريب. بعدها سقطت في الشراك الصهيوني بعد أن غرقت بالمساعدات المالية والعسكرية، وفي هذا الإطار جاءها المهندسون الزراعيون الصهاينة، ليعلموها كيف تزرع. ووضعت الدراسات لإقامة سدود ضخمة في أثيوبيا لإنتاج الطاقة الكهرومائية وللزراعة، وأول تلك السدود سد النهضة. بطبيعة الحال تفكير الصهاينة هنا ليس من أجل إطعام الجائعين في أثيوبيا، وإنما من أجل خنق مصر وحرمانها من الماء، أليست مصر هبة النيل على حد قول المؤرخ اليوناني هيرودوت؟ فيجب إذن فسخ النيل من خريطتها حتى لا تقدر أبدا على مواجهة الصهاينة.

تقول الدراسات إن سد النهضة سيكون أكبر سد في إفريقيا لإنتاج الطاقة الكهرومائية ناهيك أن طاقته تساوي ثلاثة أضعاف السد العالي في مصر. ويسع خزانه مجموع المياه التي تصل مصر سنويا عبر النيل. ويستغرق ملؤه سنوات بمعدل سنوي بين 11 و19 مليار متر مكعب، وسيتسبب ذلك في فقدان حوالي مليوني فلاح مصري مورد رزقهم، مع ما لذلك من انعكاسات اجتماعية وتأثير سلبي على الإنتاج الفلاحي في مصر. وهو ما يعني أن الخشية كانت قائمة في الجانب الأثيوبي من أن مصر ستقوم بكل شيء من أجل الحيلولة دون إنجاز السد. وعلى مصر بالتالي أن تبتعد عن التفكير في ذلك. وهذا ما وقع بالفعل بعد الانقلاب.

لقد قام النظام العسكري حتى الآن بدوره في تأمين بناء سد النهضة الأثيوبي، وبعد الانتهاء من إقامته في مطلع 2017، سيستحيل التفكير في هدمه، لأن مياهه -لو تهدم- ستسبب فيضانا ضخما قد يزيل مصر من على الخارطة. والمفارقة أن وجوده سيؤدي إلى القضاء على مصر أيضا. وهكذا وصلت أم الدنيا إلى تلك الوضعية على يدي جندها، ولا بأس بعد إتمام السد من أن يعود العسكر إلى ثكناته، تعود الديمقراطية إلى مصر، ولكن بعد أن تكون قد ارتمت في أزمات لا حدود لها.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات