سقوط الحكومة، والمنظومة في داهية

Photo

بقطع النظر عن كل الحيثيات المصاحبة، فإن كلام الباجي قايد السبسي عن حكومة وحدة وطنية يساوي سقوط حكومة الصيد، وسقوطها يعني أولا وأكثر من أي شيء آخر أن المنظومة القديمة عجزت عن العودة بالبلاد إلى ما قبل 14 جانفي، بقدر عجزها عن تحقيق وعودها وما تعلق بها من آمال من هنا وهناك. وهو ما يعني الإحباط في صفوف تيار الحنين إلى الماضي، وما يصحبه من ارتدادات على المديين القريب والبعيد.

إن ذلك يكشف عن التصدع الذي أصاب المركب المالي الجهوي الأمني الحاكم منذ 1956 حتى أنه لم يعد قادرا على التنسيق بين أجنحته من أجل تحقيق الحد الأدنى الضروري للاستمرار. وعلى أية حال لو كانت بأيديهم لرأيناهم يسحلون الناس في الشوارع، انتقاما لما وقع منذ 2011، مثل أي ثورة مضادة أصيلة. ولكنهم لم يفعلوا بما يساوي لم يقدروا، وهم أعجز على أن يسلكوا هذا الطريق.

لم ننس الصلف الذي ظهر عليهم عند الإعلان عن نتائج الانتخابات التشريعية والرئاسية في الربع الأخير من سنة 2014، ونتذكر ما نطقت به أفواههم وما كان يعتمل في صدورهم ويتطاير من أعينهم. وإذ لم يجسموا شيئا من ذلك فليس لأنهم قد تبدلت قناعاتهم أو أنهم استوعبوا الدرس مما جرى، وإنما لأنهم عاجزون تماما عن فعل أي شيء، ولا أدل على عجزهم مما وصلت إليه أوضاع البلاد على أيديهم، وإلا فأين تكمن قوتهم بالضبط؟ ومن هم رموزهم الذين بإمكانهم أن يتصدروا صفوفهم؟ وهل مازالوا قادرين على الفهم أو الفعل خارج قدراتهم على التخريب والتوتير؟

إن سقوط حكومة الصيد يشكل اعترافا ضمنيا بعجزهم عن الإنجاز، بقدر ما يشكل ذلك خطوة في اتجاه القناعة لديهم ولدى من يدعمهم أيضا، بأن عقارب الزمن لا تعود إلى الوراء، وأن مستقبلهم قد غدا خلفهم. وهذا لا يعني بالضرورة أنهم لن يحاولوا العودة إلى صدارة الركح مرة أخرى ومرات، بل سوف يتحايلون كما فعلوا سابقا من أجل المحافظة على مكاسبهم التي حصلوا عليها في غفلة من الناس وأن يفوزوا بامتيازات سبق وأن جاءتهم تحت عناوين المصلحة الوطنية والوحدة الوطنية الخ. ربما يعيدون الخطاب نفسه، ولكنها لن تنطلي على أغلب الناس.

من الآن فصاعدا لن يصدقهم كثيرون، وقد سبق أن صدقوهم خلال انتخابات 2014، في وعودهم العسلية حول كل شيء، الاستثمارات، والتنمية، والتشغيل، والأمن، والدبلوماسية، إلا أن البلاد وصلت على أيديهم إلى حالة من الانسداد والتأزم، وها هم انتهوا إلى الإعلان عن ضرورة تشكيل "حكومة وحدة وطنية" في اعتراف بالعجز وفي محاولة للتفصي من المسؤولية على ما لم يوفوا به من وعود.

إن سقوط الحكومة التي شكلوها، يساوي تماما البداية لتفسخ المركب المالي الجهوي الأمني. في داهية. وأكثر من ذلك ستنتشر القناعة بأنهم عاجزون، وأن تونس اليوم والغد ليست تونس 1956 ولا تونس 1987. هذا هو الدرس.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات