محسن مرزوق هو قائد الحملة الانتخابية للباجي قايد السبسي، نتذكر ذلك بمناسبة الكشف عن وثائق بناما التي أشارت إلى اتصال قام به مرزوق للسؤال حول كيفية فتح شركة أوف شور في بناما، وهذا الأمر ليس هيّنا، حتى لو لم يفتح شركة هناك، ثم أن بناما ليست البلد الوحيد الذي تفتح فيه شركات أوف شور، لتبييض الأموال. وعلى أية حال ففي البلدان الديمقراطية مثل فرنسا، لم يتجاهلوا وثائق بناما ولم يشككوا فيها وإنما دفعتهم لفتح تحقيقات جدية. أما عندنا فالإعلام انبرى يكذّب أو يشكّك في ما احتوته تلك الوثائق، وتحرّك بالتالي مثلما كان يتحرّك في زمن بن علي عندما يتجنّد على بكرة أبيه للرد مثلا على التقارير الدولية حول انتهاكات حقوق الإنسان في تونس.
وفي هذه المرة، من البيّن أن الإعلام ينطق بلسان محسن مرزوق أو من يقف وراءه. إلا أن الأمر لا يعنيه وحده، وإنما يعني الرئيس أيضا وتحديدا. نعم وثائق بناما تعني الباجي قايد السبسي حتى وإن لم يرد فيها اسمه شخصيا. يكفيه هنا أن محسن مرزوق كان قائد حملته الانتخابية ثم أن الفترة التي تم فيها الاتصال ببناما كانت ما بين الدورتين الأولى والثانية للانتخابات الرئاسية لسنة 2014.
ومن هنا فالسؤال الملحّ بعد عشرة أيام من الكشف على الوثائق: لماذا يلتزم قايد السبسي الصمت ؟ هل نفهم من ذلك أنه متضامن مع قائد حملته الانتخابية، وأنه يكذّب ما ورد في وثائق باناما خلافا لرؤساء آخرين من بينهم صديقه فرانسوا هولند؟ أم أنه في انتظار النتائج التي قد تسفر عنها التحقيقات التي تعهّد بها البرلمان؟ أم أن قايد السبسي يعتقد أن ما قام به مرزوق هو مجرد اتصال لا يدعو إلى الاشتباه في الأمر أو ليست له انعكاسات سياسية لا على مرزوق ولا عليه شخصيا؟
كلا الأمر أبعد من ذلك. لأن القاعدة القانونية تقول بأن ما بني على باطل فهو باطل. وإذا كان رئيس حملة قايد السبسي -خلال مباشرة مهمته- قد أثير حوله الغبار، فذلك يترك لطخة على الانتخابات الرئاسية التي أوصلته إلى قصر قرطاج. نعم وثائق بناما تنال من شرعية الفوز بالرئاسة، والصمت لا يخدم الرئاسة ولا يتركها بعيدا عن الشكوك، والأكيد أن الوقت لا يكون دائما كفيلا بالتجاوز والنسيان.