المحامون ودروس الترويكا

Photo

كانت انتخابات المحامين دائما تكتسي دلالة أعمق من دلالاتها في أماكن أخرى. نتذكر أنها كانت الانتخابات غير المزيفة الوحيدة في بلادنا. والأهم أن اللعب في هذه الساحة يتم بالمكشوف، شيء من التكمبين النقابي والمحاصصات الحزبية والضغوطات وحتى المؤامرات والمراودات. يستوي في انتهاج ذلك الجميع بقطع النظر عن اللافتات المرفوعة. هم فقط يرسمون الطريق لجمهوريتهم.

لابد هنا من العودة إلى التاريخ البعيد. في مثل هذا الشهر من سنة 1947، جرت انتخابات مماثلة. وقبل أسبوع واحد منها أمضى المقيم العام على قرار يتيح للمحامين التونسيين المسلمين لأول مرة الترشح للعمادة، وكان هدفه إكساب العميد الجديد شرعية هو ومرشحه في حاجة إليها، وبالفعل انتخب مصطفى الكعاك عميدا، في 18 جويلية، وفي 19 جويلية عين وزيرا أكبر.

وليس بعيدا عن التاريخ، تذكروا فقط الانتخابات التي جرت في 2010، كيف كانت الخريطة في المحاماة، الجميع ضد الخلية التجمعية، ولم يتأخر الوقت بعد ذلك حتى رأينا المحامين على رأس المظاهرات في كل مكان وصولا إلى باب الداخلية. وتذكروا أيضا الانتخابات التي جرت في 2013، على عهد الترويكا، الجميع، بمعنى اليسار والتجمعيون وقفوا ضد النهضة الحاكمة، ثم كانوا أحد الرباعي وانتهى المشهد بأن تسلم المحامون جائزة نوبل. وها نحن نشهد خلط الأوراق للمرة الثالثة في تشكيلة جديدة وتحالف غير مسبوق، والأكيد أن المحامين وحدهم سيخرجون فائزين. ولا غرو فهم أكبر مستفيد من كل العهود. هذا الشيء الثابت الوحيد.

الانتخابات هذه المرة أيضا لن تخرج عن تلك القاعدة. والنتيجة أننا الآن مقبلون على حياة باردة، يتحول كل شيء إلى لغو. عبث. وهي النتيجة التي كان ثلاثتهم، التجمعيون والإسلاميون واليسار جميعهم، قد استعملوا الدهاء أو الغباء أو الرياء من أجل الوصول إليها. وها هم أولا الدساترة أو التجمعيون يحققون في المحاماة ما لم يكونوا يحلمون به قبل 2011. وها هم الإسلاميون أو بالأحرى النهضويون، يتحالفون مع جلادي الأمس ويؤكدون أن التكنبين هو روح السياسة عندهم. وها هو اليسار يجني ما حصد في السنوات الماضية. وكان مثل الإسلاميين يرفعون شعار القطيعة التنظيمية والسياسية مع النظام. لعلهم يعزونه للصغر.

من الآن فصاعدا نتوقع سيناريوهات قريبة من هذا في منظمات أخرى، ستتساقط واحدة واحدة في نفس الأيدي، وبالديمقراطية أيضا، وكذا في الانتخابات القادمة من البلديات إلى المجالس الجهوية وحتى الرئاسيات والتشريعية لو استوجب الأمر. الطريق مفتوح الآن أمام المنظومة القديمة لتتمكن من مواقع كانت مستحيلة المنال في أيام عزها، عبث الأقدار. ولن تنفع -مع الأسف للمعنيين- صيحات الفزع والتحذير هنا وهناك. الصائحون أنفسهم دفعوا إلى هذه النتيجة. وإلا فهل كانوا يتوقعون شيئا مختلفا وهم يفتحون للمنظومة القديمة كل الأبواب ويدافعون عنها بكل ما أوتوا من قوة وبسالة؟ وها أن النتيجة أنهم كانوا في كل ذلك مجرد زانة للقفز، ينتهي دورها بمجرد أن يصل صاحبها إلى مبتغاه، وها هو يجد زانة أخرى للمرحلة الموالية.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات