عنونت صحيفة نيويورك تايمز مقالا لها كما يلي: "روسيا تقول إن النموذج الفيدرالي لسوريا ممكن في المستقبل"، في تلخيص مكثف لما ورد على لسان سرغاي ريابكوف (Sergei Ryabkov) نائب وزير الخارجية الروسي في ندوة صحفية عقدها في موسكو يوم الاثنين 29 فيفري حيث قال بالحرف الواحد: إذا انتهت المحادثات والمشاورات والنقاشات حول مستقبل نظام الدولة في سوريا... إلى الوصول إلى فكرة أن هذا النموذج (الفيدرالي) سيخدم الحفاظ على سوريا موحدة وعلمانية ومستقلة وأمة ذات سيادة، فمن عساه يعترض على ذلك؟". السؤال ما العلاقة بين هذا الكلام وما قاله قبل ذلك بستة أيام، 23 فيفري، جون كيري وزير الخارجية الأمريكي من أن "سوريا قد لا تبقى موحدة إذا استمرت الأعمال القتالية" ("النهار" اللبنانية، بتاريخ 24 فيفري)؟
ربما لا يريد الأسد أن يسمع كلام كيري، بقدر ما يعتبر بقاءه الشخصي على رأس الحكم في سوريا إفشالا للمخطط الأمريكي للشرق الأوسط الجديد/ المفكك. وهو لا يملك خيارا آخر أمام الموقف الروسي، أليست روسيا هي الحامية؟ إلا أن ما هو واضح أن لا فرق تقريبا بين ما قاله كيري المسؤول الأول في الخارجية الأمريكية وما قاله المسؤول الثاني في الخارجية الروسية. نتذكر هنا أن إحدى ثوابت الاستراتيجيا الأمريكية للمنطقة هو ضمان أمن الكيان الصهيوني ووجوده، وذلك لا يتم إلا من خلال إضعاف الجيران العرب وتفتيت أية دولة يمكن أن تقوم بدور قيادي. بدأ الأمر مع العراق. ثم جاء دور مصر مع الانقلاب العسكري. وها هي سوريا. وبالتالي لم يبق من الدول العربية القائدة أو المشعة كما حددها ويسميها هانتنغتون إلا السعودية والجزائر. الأولى فعلت وتفعل بنفسها ما لا يفعله العدو بعدوه، وما بقي تقوم به إيران، والثانية أي الجزائر بعيدة نسبيا عن مركز الشرق الأوسط.
في هذا الإطار نفهم تصاعد الطموح الإمبراطوري لكل من إيران وتركيا في السنوات الأخيرة، كلاهما فهم أن مشروع الشرق الأوسط الجديد مثل القدر، وأنه من الأفضل الاستفادة منه طالما أنه يستهدف البلاد العربية وتحديدا منها تفتيت الدول الهامة فيها. دعك من الشيعة والسنة، ومن محور المقاومة، فتلك عناوين تنطلي على السذج والأغبياء. وعلى أية حال فحسابيا إيران إلى حد الآن هي أكبر من استفاد من المشروع الأمريكي، يدخل ضمن هذا احتلال العراق الصالح، والسعي للحصول على أجزاء أخرى هنا وهناك، في سوريا وفي الجزيرة العربية ليس فقط في اليمن وإنما أيضا حتى في السعودية.
وبالعودة إلى المقارنة بين كلام المسؤوليْن الروسي والأمريكي، فكلاهما يحققان الهدف نفسه. تفتيت الأوصال. الفرق ربما في أن الأمريكان هم الذين وضعوا المشروع والروس يقومون بدور المناولة. لا يجادلن هنا أحد من أنهم قدموا لدعم محور المقاومة ولا محاربة إسرائيل حيث يعتبر المهاجرون الروس أكبر جالية فيها، ولا يمكن لما قاموا به أن يكون هدية بدون مقابل، كما لا يمكن للأسد -لو بقي- أن يسدد تكاليف ما بذلوه. وهو ما يعني أن هناك ضمانة مسبقة ستتولى دفع التكاليف. ومن غير المستفيد من مشروع الشرق الأوسط الجديد يقوم بذلك. في السياسة الدولية لا توجد مزايا ولا فروسية.