الحياة على إيقاع الشعر..

Photo

هناك من لا يكتبون شعرا، ولكنهم يعيشون على إيقاع شعري، وتبرز من خلال مواقفهم ورؤاهم شاعرية راقية، تدفعك إلى اعتبارهم شعراء سامين، حتى وإن لم يكتبوا شعرا ولا حتى يهمهم الشعر والقوافي. يكفيهم أنهم يتصرفون كشعراء، والشعر عطاء بلا حساب، ولا يمكن أن يكون كذلك إن لم تكن الحياة قصيدا جميلا. لست أدري إن كتب آخرون هذا ولكن شعوري أن الحياة قصيدة تُعاش أين منها الأشعار التي تُقرأ أو حتى تُلحّن، والذين يعيشون بهذا المعنى هم شعراء فعلا، وليسوا في حاجة إلى أن يكتبوا أشعارا، يكفيهم ما لديهم من قدرة فائقة على العطاء، وما يميزهم من أناقة الروح. يزرعون، ويؤمنون أن موسم الحصاد آت لا محالة، ولكن لا يهمهم أن يكونوا هم الحاصدين.

الحياة قصيدة بصورها وإيقاعها وجمالها إلا أن البعض يعيشها كما لو أنها نص نثري، وربما لا تتجاوز عند بعضهم حدود النثر الرديء، وقد تتحول عند آخرين إلى كلمات متقاطعة، وقد يبقى البعض أمامها أميين لا يقرؤون ولا يكتبون وإنما غارقين في لجج الأوهام، لا يخرجون منها، وهؤلاء وأولئك حتى وإن كانوا يكتبون ما يتوهمون أو يوهمون الناس أنه شعر، فهم ليسوا شعراء.

هناك البعض قد يحفظ الناس أشعارهم ويتغنون بها، ويتحولون إلى أيقونات ورموز وينالهم التبجيل أينما حلوا أو ذكروا، إلا أن مواقفهم في الحياة قد تكشف أنهم أبعد ما يكونون عن الشعر، وأنهم لم يعيشوا كذلك، والدليل ما لديهم من طاقة على الكراهية لا تنضب ومن الحقد الأعمى، والكراهية والشعر لا يلتقيان. ومن كانوا من بين هؤلاء يكتبون شعرا فهم ليسوا سوى مرتزقة أو متسولين يتوسلون بالشعر ما يمكّنهم من الاستمرار فيما يعتبرونه حياة، وهم في حقيقتهم يتحايلون للتغطية على بلادتهم الذهنية وعجزهم عن الكدح، بمعنى أنهم بعيدون عن الشعور العميق بالكرامة.

بطبيعة الحال لا يمكن تعميم هذا، فالكثير من الشعراء شعراء في حياتهم أيضا. جمال الصليعي نموذجا، وأذكره هنا لأني أعتبره شاعري المفضل، بل هو أيقونة في ما أسميه بعجيبة العرب، وعجيبة العرب هي ما يقابل عجائب الدنيا في حضارات أخرى، وتختلف عجيبتنا عن تلك العجائب ليس فقط في طبيعتها اللامادية وإنما أيضا في أنها مفتوحة أمام مختلف الأجيال للمساهمة فيها، وأعتقد أن جمال الصليعي ممن أضاف وتفوّق على غيره. يكفيه أنه أعاد للشعر العربي رونقه وألقه. صورة. روح. إيقاع. قضية. إنسان. قيم.

أعود إلى الفكرة الأولى حول العلاقة بين الشعر والحياة، لأشير إلى أن ما ينطبق على عالم الشعر، ينسحب على دوائر النخبة أو من هم في عدادها. ودون التعميم هنا، فإن البعض من نخبنا ومحط آمالنا إذا اقتربت منهم أو نظرت إلى سلوكهم ومواقفهم، ترثي لحالهم، وتشفق على ما آلوا إليه، وتفهم من وراء ذلك سبب ما نحن عليه.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات