أمريكا لم يكن يهمها أمر بشار، يبقى أم لا يبقى. الدليل أنها لم تكن أبدا حاسمة في الموقف منه، ولو كانت كذلك لفعلت ولما استطاع أن يصمد أمامها، وإنما ما هو ثابت أنه كان يكفيها أن يضعف إلى الحد الأقصى، وأن يبقى بعد ذلك فلا بأس، ما كان يهمها هو أمن الكيان الصهيوني، ومن هذه الزاوية فكل بديل عن بشار في سوريا سيهدد الكيان الصهيوني، سواء كان داعش أو حتى نظام ديمقراطي.
رأينا أن أمريكا لم يكن يهمها سقوط مئات آلاف من الأبرياء في سوريا، ولا ملايين المهجرين السوريين. إلا أن ما أزعجها بما جعلها ترد الفعل بالسرعة القصوى، هو قصف الأكراد من قبل طائرات بشار يوم 18 أوت في مدينة الحسكة. وبالتالي يتأكد اليوم لمن لم يكن يعرف وحتى لمن كان يصفق للأكراد أن حصان الرهان بالنسبة لأمريكا في سوريا وفي المنطقة هم الأكراد، وليس غيرهم، والدليل وجود مستشارين أمريكان بينهم، بطبيعة الحال خدمة للكيان الصهيوني الذي نعرف علاقته الممتازة بحكام إقليم كردستان العراق.
روسيا البلد الحليف لنظام "الممانعة"، هو أيضا يتوافق مع الأمريكان بشأن مسألة الأكراد. نتذكر فقط التصريحات الروسية في مارس 2016 لمساندة نظام فيدرالي في سوريا والمقصود بذلك الأكراد. هدف روسيا من ذلك تشجيع الأكراد في تركيا ونقل التوتر داخلها وصولا إلى تفكيكها ولا ننسى هنا أنها تضم أكثر مجموعة كردية في المنطقة. وقد لا يبدو منطقيا أن يقوم كيان كردي في العراق أو سوريا ولا يقوم مثله فيها.
من هذه الزاوية يجب النظر إلى الموقف التركي من الحرب الدائرة في سوريا، فالعامل الأساسي للتدخل التركي ليس هو العامل الإيديولوجي كما يعتقد البعض، وإنما هو الموقف القومي إذ أنها تخشى أن يقع في سوريا ما وقع في العراق من قيام كيان كردي، وموقفها بالتالي يهدف إلى الحيلولة دون ذلك مهما كان الثمن.
الإيرانيون، إلى حد الآن يراهنون على بشار الأسد، رافعين شعارات طائفية، يسهل التأثير بها لتعبئة الشيعة من أفغانستان إلى باكستان إلى العراق إلى لبنان، للقتال عوضا عنهم أو معاضدة لهم، إلا أن ذلك لا يخفي نوازعهم الإمبراطورية التوسعية. إلا أنهم لم ينتبهوا، وقد طال النزاع دون حسم، أن الوضع في سوريا لن يعود إلى ما كان عليه قبل 2011، بمعنى أن مستقبل الأسد أصبح خلفه، وأن المراهنة عليه حتى وإن بقي في الحكم ليست بحجم التضحيات والأموال التي بذلت.
وإذا أخدنا بالاعتبار أن الروس والأمريكان يقفون على أرضية واحدة بالنسبة للموقف من الأكراد في سوريا، فإن الطريق يصبح سالكا بالنسبة لهم في اتجاه وضعية مماثلة لأكراد العراق الذين يتمتعون بما يشبه الاستقلال التام. وبالنتيجة فإن إيران نفسها تصبح في عين الإعصار بعد حين، حيث أنها ثاني بلد بعد تركيا من حيث عدد الأكراد، بمعنى أن نتائج الصراع في سوريا ستفتح شاهية الأكراد في إيران أيضا.