إن النظام الإيراني يدفع اليوم ضريبة سياسته التوسعية. ليس لأن تلك السياسة قد جعلت جيرانه في الخليج يتآمرون عليه، فهم دون القدرة على ذلك، وإنما لأن إمكانياته وعلى رأسها عائدات النفط لا تكفيه لتغطية التكاليف الباهظة لتدخلاته الخارجية وعلى أكثر من جبهة ساخنة.
وحينئذ فإن أصبع الاتهام الإيراني من غير المنطقي أن يُوجّه إلى المؤامرة، خليجية كانت أو أمريكية، وإنما تكمن الأسباب الحقيقية لما حدث في سياسة التوسع الخارجي تحديدا؛ ولسنا في حاجة للتدليل على ذلك بما رفعه المتظاهرون من شعارات معارضة للتدخل الإيراني في سوريا من نحو "اتركوا سوريا واهتموا بنا"،
لأن الثابت أن المطالب الشعبية حول المعيشة والتضخم المالي وما إليها، تكشف أن الأوضاع ما كانت لتتدهور إلى الحد الذي دفع الناس إلى التظاهر على نطاق واسع، لو كانت الأولوية في برامج السلطة ومخططاتها متجهة إلى تحسين ظروف العيش للسكان.
وهذا ما يكشف من جهة أخرى المسافة حدّ القطيعة بين النظام الإيراني والجماهير الشعبية، فضلا عن غلبة منطق الثورة رغم مرور أربعة عقود على حدوثها، على منطق الدولة التي من مهامها التكفل بشؤون الناس.
وعلى أية حال فمهما كان مآل الحركة الاحتجاجية الحالية، فإنها ستدفع -على الأقل- بعض أطراف النظام إن لم يكن النظام برمته إلى مراجعة السياسة التوسعية المكلفة، وهذا سيؤدي منطقيا إلى التخفيف من الحضور الإيراني إقليميا وما ينجر عن ذلك -مع مرور الوقت- من خفض التوتر مع الجوار العربي.
خلاف ذلك فإن تطور الأحداث إلى الحد الذي يؤدي إلى سقوط النظام، كما يتوهم أو يتمنى بعض الساسة العرب أو السعوديين تحديدا، لا يصبّ في حساب الأنظمة العربية المجاورة، ولا هو يخدم حتى السعودية وهي نفسها في وضعية شبيهة بإيران من حيث تدخلاتها الخارجية من أجل القضاء على "الربيع العربي"، وهي بالتالي ليست في حاجة إلى صرف المزيد من الأموال من أجل تفادي تداعيات الفوضى في إيران.
وفي كل الحالات فالمنطقة تبقى في حاجة إلى إيران قوية، أي موحدة ومزدهرة ومتقدمة، وهي الإمكانية الوحيدة التي تجعلها نموذجا للجوار العربي، وليس بمعنى القوة العسكرية التي تتدخل في شؤون غيرها وتشكل فزاعة تستفيد منها الولايات المتحدة في ابتزاز ممالك النفط الخليجية. وخلاف ذلك فإن عدم الاستقرار في إيران سيؤدي حتما إلى اختلال التوازن الجيو-استراتيجي مع ما يعنيه من عدم الاستقرار في المنطقة كلها، ولن أي دولة من تبعاته حتى وإن كانت ترغب أو تتمنى حاليا في سقوط النظام الإيراني.