عندما يسكت الحقوقيون ينكشفون..

Photo

بعد أسبوع كامل على الجلسة العلنية لمجلس نواب الشعب للنظر في التمديد لهيئة الحقيقة والكرامة، لم يصدر بيان أو تصريح يوضح موقف الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، أو فرع تونس لمنظمة العفو الدولية من الموضوع، وكأنه لا يهمهما من بعيد أو قريب أو كأن ما حدث قانوني وشرعي ومبرر أو حتى مطلوب.

نتذكر بالمناسبة ما كان للرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان من قيمة اعتبارية تنامت مع الأيام منذ تأسيسها قبل أربعين عاما بفضل من تعاقب عليها من مناضلين ينحدرون من مشارب سياسية وفكرية مختلفة، جمعهم الدفاع عن حقوق الإنسان بدون حسابات سياسية أو حزبية أو فئوية، ولم تتراجع تلك القيمة الاعتبارية رغم المحاصرة والهرسلة التي استهدفت البناء الرابطي المتين سنين وسنين طوالا.

فرع منظمة العفو الدولية كذلك لم يكن أقلّ اعتبارا في الساحة الوطنية، بفضل استقلاليته وحرفيته ونضالية أعضائه. ولذلك يحق للمراقب أن يسأل اليوم: ما الذي ألجأهما إلى الصمت في موضوع يتصل تماما بالأهداف التي كان كل منهما يسعى إلى تحقيقها ومن بينها عدم الإفلات من العقاب، بل ويتصل بأجيال ممن تشكوا إليهما ووجدوا فيهما آذانا صاغية؟

بالتأكيد أن الثورة قد قضت على النضال الحقوقي بالتراجع، وسحبت من الحقوقيين ملفاتهم، بقدر ما أصبحت الحرية أمرا واقعا، وبقدر ما تراجع النيل من حقوق الإنسان والتجاوزات التي كانت ظاهرة ومحميّة، إلا أن هذا لا يعني أن تغلق المنظمات الحقوقية أبوابها وإنما عليها أن تعيد هيكلة نفسها، حتى تستمر مفتوحة الأعين تترصد كل تجاوز أو تهديد ينال من الحريات والحقوق الأساسية. وفي كل الحالات فالرابطة التي وشّم ذراعها بجائزة نوبل للسلام، ليس من حقها اليوم أن تتوارى أو تضع كفيها على عينيها في مسائل تهمها أولا.

نعم، لم ننس ما كشفت عنه فعاليات المؤتمر الأخير للرابطة من جدل وتجاذبات وصلت وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي، كما لم يفتنا ما يشبهه في فرع منظمة العفو الدولية، حيث تمت السيطرة عليهما من قبل أتباع حزب سياسي معين، فيما يشبه الانقلاب على المسار التاريخي للمنظمتين.

ومع ذلك فليس في صالحهما كمنظمتين حقوقيتين الصمت إزاء ما وقع لهيئة الحقيقة والكرامة، ليس فقط لأن الموضوع يهمهما بصفة مباشرة، وإنما أيضا لأن الصمت ينال من القيمة الاعتبارية التي كانت لهما والتي ساهمت في إقامتها أجيال وأجيال، كما أن الصمت لا يخلو من كلفة سياسية يدفعها في آخر المطاف الطرف السياسي المهيمن عليهما. فضلا عن أن فيلق الحقوقيين يكون قد أخرج نفسه من اللعبة.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات