أريد أن أفهم ما هو الفرق حقيقة بين القتْل بأسلحة كيمياوية والقتْل تحت البراميل المتفجرة أو القنابل العنقودية؟ هل هناك قتْل رحيم هنا ووحشي هناك؟ أم أن القتل نفسه يمكن أن يكون مقبولا في وضع ومرفوضا في وضع شبيه؟ وحتى لو تعلق الأمر بقتْل الأبرياء والأطفال تحديدا، هل هناك فرق بين قتْلهم حينا، فيستحقون الصمت وقتْلهم حينا آخر فيثيرون العويل؟
حقيقة أريد أن أفهم، أيهما أكثر بشاعة القتْل تحت القصف في مستشفى مثلما حدث في حلب، أم القتْل تحت القصف على فراش النوم مثلما حدث في خان شيخون هذه الأيام؟ وكيف يمكن للمرء التفريق منهجيا أو بيداغوجيا أو عقليا بين نوعين من القتْل أحدهما لا يحرك له المجتمع الدولي ساكنا، والآخر يثير حنق أمريكا وتهتز له مشاعر أوربا الإنسانية؟
إلى حد الآن، الموقف الثابت الذي لم يتغير هو موقف النظام السوري القاتل، أي ممارسة القتْل دائما بقطع النظر عن الوسائل المستعملة، فقد فهم دائما أن حق الدولة في ممارسة العنف، يخول لها الحق في ممارسة القتْل. وقد مارسه ضد المتظاهرين السلميين يوم أن خرجوا مطالبين بالحرية والديمقراطية، فكيف لا يستعمله بعد أن أصبحت البلاد -بسعي منه- في حرب أهلية. وبعدئذ لا يهم إن كان القتْل بالرصاص أو التعذيب أو غاز الساران.
كذلك الموقف الثابت الذي لم يتغير هو الموقف الروسي في الدفاع الدائم وفي مختلف الوضعيات عن النظام السوري. ومثل ذلك الموقف الإيراني الثابت أيضا. جميعهم شركاء، لا تبديل ولا تغيير في مواقفهم. يمارسون القتْل مثلما يصبون الرصاص على المدارس أو الأسواق أو المستشفيات لا فرق. والقتلى عندهم مسؤولون دائما عن موتهم، حتى وإن كانوا أطفالا أو نساء أو عجزا، والقتلى عندهم دائما إرهابيون خطرون خلّصوا منهم العالم.
وأما الأصوات التي ترتفع هذه الأيام للتنديد والوعيد والتهديد، فلا أستطيع أن أتبين حقيقة سرّ ارتفاعها، حيث لا تقنعني مشاعرهم الإنسانية الفياضة بينما كانت غافية غافلة في حوادث أفظع قبل سنوات وحتى قبل أشهر معدودات.
ولا أفهم عودة الوعي المفرط فجأة بسبب قتْل أقل من مائة بينما لم يتحرك أي ساكن بسبب جرائم، بعضها على المباشر، حتى تجاوز عدد القتلى ثلاثمائة ألف. وحتى لو كانت الضجة بسبب استعمال الأسلحة الكيمياوية، فقد سبق وأن استعملت سابقا وكان عدد قتلاها بالمئات، ولم نشهد ردود أفعال مثل التي نراها اليوم، ولم تفض التحقيقات التي تقررت آنذاك إلى شيء يردع أو حتى يُذكر.
قل إن مشاعر الروس والأمريكان والإيرانيين والأوربيين ومواقفهم -خلاف ما هو ظاهر- هي كأشد ما تكون متشابكة ومتفاعلة مع بعضها البعض، تحركها المصالح لا غير، نعم النفط أو الغاز الطبيعي لا غاز الساران، وأما الإنسانية والمقاومة والحرية والديمقراطية ومحاربة الإرهاب وهلم جرا، فلا تعدو أن تكون مفردات في الدعاية يصدقها السذج والمغفلون والعرب.