تمنّيتُم أن ما حدث في مصر حدث في تونس…

Photo

الذين رغبوا في أن يقع في تونس ما وقع في مصر ذات صائفة 2003، ترى هل مازالوا متمسكين بموقفهم إلى حد الآن؟ حقيقة بودي أن أعرف. نتذكر أن كل همهم كان أن يتخلصوا من عدو إيديولوجي ذي شعبية كاسحة، وذلك ما ضيق عليهم الأفق وغطى عليهم حقيقة أن الجيش التونسي ليس كالجيش المصري. ولو كان مثله لما فرط في الاستحواذ على السلطة في جانفي 2011 أو في أي من الأشهر اللاحقة، ولو فعل لوجد ترحيبا شعبيا واسعا. وحسنا لم يفعلها، إذ تجنب في آخر المطاف التورط في وضع كالذي نعرفه اليوم، أو كالذي تغرق فيه أرض الكنانة.

ففي مصر نعرف أن العسكر تحكّم في السياسة وفي الاقتصاد منذ ما يزيد عن الستين عاما، وهو بالتالي لا يقرّ له قرار بعيدا عن كل تلك مكاسبه ومنافعه التاريخية. وما قام به في صائفة 2003 بعد أقل من سنتين ونصف على ما كان يعرف بثورة 25 يناير، يعتبر من قبيل العودة إلى الوضع السابق. ورغم تجربته يحق أن نتساءل اليوم بعد مرور أكثر من سنتين ونصف على الانقلاب هناك، ما الذي تحقق في ظل خوذة العسكر باستثناء التراجع عن الحريات وعن الديمقراطية والتدهور الاقتصادي واستفحال الأوضاع الاجتماعية وتراجع مكانة مصر الإقليمية وفي العالم وصولا إلى ما يلوح من قطع واد النيل عنها في أمد منظور؟ ولذلك أتساءل هل مازال هناك من يعتقد حقيقة بصواب موقفه من الانقلاب العسكري في مصر؟ هل هناك من مازال يتمنى انقلابا مماثلا في بلادنا؟

لقد تأسس جيشنا الوطني على أسس سليمة للقيام بمهمة واحدة هي الدفاع عن الوطن ولا يدخل في ذلك الاستحواذ على السلطة، وقد رأيناها الجيوش التي تستحوذ على الحكم لا تحسن خوض الحروب ولا الدفاع عن الأوطان، وحتى لو انتصرت في معركة فإن انتصارها لا يكون حاسما، أو هي تحوّله إلى نصف انتصار لأن الانتصار الكامل يؤدي مع الزمن إلى انتفاء الحاجة إليها، في حين أنها تريد الحكم مدى الزمن.

لنسلم جدلا أن الجيش التونسي قام بانقلاب مماثل في مصر، فهل ستستقر له الأوضاع في تونس؟ وهل أن ما تمناه البعض آنذاك بقتل عشرين ألفا من الإسلاميين، لنقل عشرين منهم، أو لنقل سجن عشرين ألفا منهم، يمكن أن يمر بكل هدوء ودون تكاليف تُذكر؟ لا أقول هل أن البلاد تتوفر على سجون تستوعب عشرين ألف سجينا إضافيا؟ وإذ لم يقع أي من ذلك ومع ذلك فالبلاد تعرف ما نعرفه من إرهاب وبطالة وتداين خارجي واختلال جهوي وتدخل خارجي، فكيف بها لو عدنا إلى وضع أسوأ مما كان عليه في العهد النوفمبري الذي ثار عليه الناس؟ ومن تراه قادرا على تمويل كل ذلك؟ وإلى متى؟ وهل يكون الوضع في بلادنا آنذئذ أفضل منه بمصر اليوم في مجال الحريات والديمقراطية وحقوق الإنسان؟

حقيقة بالحقد لا تُبنى الأوطان، ولا يتأسس المستقبل. لقد آن لكم أن تنسوا أحقادكم أو ترحلوا.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات