حسب وكالة النهوض بالصناعة والتجديد يبلغ عدد المؤسسات الصناعية التي أغلقت أبوابها ببلادنا فيما بين 2011 و2015: 1868 أي أكثر من 373 مؤسسة سنويا أو مؤسسة كل يوم. أغلب تلك المؤسسات ذهبت إلى المغرب الشقيق، وخلفت بيننا عشرات الآلاف من العاطلين، 12912 سنة 2015، و19711 سنة 2014، و37460 سنة 2011. وفي قطاع النسيج وحدة 33 ألف أحيلوا على البطالة بعد غلق المؤسسات التي كانت تشغلهم. المشكل أن هذه الأرقام لا تثير -فيما يبدو- أي فزع أو حتى اهتمام.
آخر معمل تقرر إغلاقه هذه الأيام هو الشركة الأمريكية (Lear Corporation) لكوابل السيارات ببرج السدرية، بمعنى أن 850 عاملا سيفقدون شغلهم دفعة واحدة. لكن لا أحد مسؤول فيما يبدو. وفي الأثناء يستطيع كل طرف أن يتهم الطرف الآخر. اتحاد الأعراف واتحاد الشغل. أو على مستوى المصنع العرف والنقابة الأساسية. في هذا المناخ كتبت جريدة "الشعب"، المؤرخة في 22 جويلية الجاري، ما يلي:
"دعا أعضاء مجمع القطاع الخاص بالاتحاد العام التونسي للشغل بعد جلسة ساخنة الأعراف إلى فتح حوار مع الشغالين حول زيادة في الأجور لسنة 2016 /2017 وذلك احتراما لمبدأ التفاوض العام وحماية للمناخ الاجتماعي" (الرخ لا). وقال بلقاسم العياري الأمين العام المساعد المكلف بالقطاع الخاص "إن العمال ساهموا في نماء المؤسسات الاقتصادية، وان المطلوب من الحكومة توفير مناخ ملائم لعودة المستثمرين" (واضح). كما قال في موضع آخر "إن القطاع العام والوظيفة العمومية مساند رسمي لكل تحرّك بعد أن نفد صبر عمال القطاع الخاص" (بدون تعليق).
في نفس السياق أشارت الجريدة بتاريخ 20 جويلية إلى أن غلق المصنع تم بطريقة فجئية (كذا)، وهو ما سمح للكاتب العام للاتحاد الجهوي للشغل ببنعروس بأن يطالب "السفارة الأمريكية بتونس بتقديم توضيحات حول الأسباب الحقيقية التي دفعت إلى غلق الشركة"(هم يعرفون). وعلى أية حال، ليس هذا هو المصنع الأول الذي يتحول إلى المغرب الشقيق، مئات المصانع الأخرى سبقته إلى هناك، وستستمر الظاهرة، مع الأسف. إلا أن ما هو واضح أن لا أحد يبدو مستعدا لتحمل المسؤولية، بمعنى أنهم جميعا يتفصّون من المسؤولية. السلطة والنقابة.
لو كنت واليا على بنعروس لقدمت استقالتي، لأن المعمل يقع في دائرة نظري، ولو كنت وزيرا للشؤون الاجتماعية لقدمت استقالتي لعلها تكون صرخة، ولو كنت كاتبا عاما للاتحاد الجهوي للشغل لقدمت استقالتي، لأني لم أضمن استمرار 850 عامل في شغلهم. إلا أن واحدا من أولئك لن يقدم استقالته، لأنه لا يهمهم ارتفاع عدد البطالين ولا مصير 850 عائلة. يكفي أولئك المسؤولين أنهم يحتلون كراسيهم الوثيرة.
بهذا النسق في إغلاق المعامل والشركات والمصانع، سيأتي اليوم الذي تصبح فيه أكبر مؤسسة مشغّلة في بلادنا هي عبارة عن مطعم فاخر أو مقهى بطابقين. سيأتي الوقت الذي تصبح فيه الدولة هي العرف الوحيد، والموظفون هم الطبقة الوحيدة في البلاد.