أنا انزعجت كثيرا كثيرا لصورة آكن أوزترك أحد مدبري الانقلاب التركي، وقطعة القطن تغطي أذنه اليمنى، وآثار كدمات في مستوى رقبته. لا أستطيع أن أتفهم أو أبرر ما قام به الذين قبضوا عليه أو الذين احتجزوه. السلامة الجسدية أحد الشروط الأساسية لضمان العدالة وللحق في الحياة كحق من حقوق الإنسان الأساسية، بقطع النظر عن الأفعال التي يمكن أن يحاسبه عليها القضاء. وقبل المحاكمة، كل متهم بريء حتى تثبت إدانته. وحتى لو أُدين لا يحق الاعتداء عليه أو على أحد غيره من المتهمين مهما كانت التهمة. رأيي هذا لا يمكن أن يتغير أو يتبدل مهما يكن مرتكب الفعل ومهما يكن من ارتكب عليه الفعل.
كذلك يزعجني في الحالة التركية عودة الحديث عن أحكام الإعدام التي كانت قد ألغيت سابقا، إلا أني لست متشائما من الموقف الذي يمكن أن يتبناه البرلمان التركي، فهو ليس طوع الحكومة أو الرئيس. وعلى أية حال فالتفكير في الإعدام مزعج جدا بقدر ما يقطع كل إمكانية للمصالحة أو العفو، وما يزرع من بذور الثارات والانتقام والفتنة، وهو ما لا يلتقي مع روح العدالة. أنا حقيقة أؤمن بأن الحياة وُهبت لكي تُعاش. ولا يمكن لأحد أن يملك حق انتزاعها غير بارئها. إلا أني في نفس الوقت أسخر من كل الأصوات الصدّاحة عندنا وفي العواصم الغربية والتي تبدي تخوفاتها على حقوق الإنسان وحرصها على تطبيق القانون والدستور في تركيا الخ. أسود في تركيا.
إلا أننا رأيناهم بريش النعام في مصر، حيث لم نسمعهم عندما قتل النظام الانقلابي المئات من المعتصمين في ميداني رابعة والنهضة وأضرم النار في جثثهم، ولم نسمعهم عندما صدرت مئات الأحكام بالإعدام على معارضين سياسيين في قضايا مفبركة، ومن بين المحاكمين موتى وأطفال ومساجين في السجون الصهيونية. لم نسمع تلك الأصوات ترتفع بسبب موت العشرات تحت التعذيب والإهمال الطبي في المعتقلات والسجون المصرية. وقبل ذلك لم نسمع تلك الأصوات تتكلم أو تندد بغلق القنوات التلفزية والصحف وسجن ومحاكمة الصحافيين والمتظاهرين في مصر. لم نسمع تلك الأصوات تندد بعدم توفير الحد الأدنى للمحاكمات العادلة حيث يوضع المتهمون في أقفاص زجاجية، فلا يبلغ صوتهم ولا تسمع حجتهم. خافوا الانقلاب مثلا.
يمكن للسياسيين لو شاؤوا أن يكيلوا بمكيالين، فيلتزمون الصمت إزاء الجرائم التي ارتكبها قادة الانقلاب في مصر ويتكلمون بصخب في الحالة التركية بعد فشل المحاولة الانقلابية. يمكنهم أن يمارسوا الأكاذيب بل وأن يخرجوها لنا في شكل مبادئ سامية يرجون منها أن تجلب لهم الاحترام والتقدير والتصفيق، ولكن لا يمكنهم أن يقنعونا بأن غايتهم السامية والوحيدة هي احترام حقوق الإنسان أو الحرص على الحريات، أو بأنهم يضحون من أجل ذلك بمواقعهم الشخصية ومصالحهم القومية. في كلمة يمكنهم أن يتصرفوا ككذابين ومنافقين أصيلين، لكن لسنا مجبورين على أن نكون أغبياء حتى نصدقهم.