الاستثناء التونسي..

Photo

عندما كنت أسمع إلى بعض النقابيين الأمنيين وهم يرغدون ويزبدون، وعندما كانت تحدث تجاوزات في حق مواطنين في محلات أمنية، كنت أتساءل ألم يستخلص هؤلاء الدرس مما حدث؟ ألم يستفيدوا هم أنفسهم من الحرية؟ وها قد تبين أني كنت أعمم وأنه لا يصحّ الحكم على الأغلبية من خلال تجاوزات قام بها البعض منهم، والتعميم لا يستفيد منه إلا من ارتكبوا تلك التجاوزات.

ولعل أكبر دليل على ذلك هو ضعف نسبة المشاركة في الانتخابات البلدية، حيث لم تتجاوز 12% من المسجلين الذي هم بدورهم أقلية من مجموعهم العام. ولابد بالمناسبة أن نتذكر المزايدات التي حدثت في مجلس نواب الشعب وفي وسائل الإعلام، والتي كانت توحي بأن المؤسسة الأمنية برمتها كانت وراء المطالبة بالمشاركة في الانتخابات، ولم يكن الأمر كذلك كما هو واضح اليوم، وإنما هناك أطراف معينة، تدفع بعض النقابيين الأمنيين، كانت تسعى بكل جهد إلى جر القوات الحاملة للسلاح إلى مربع التجاذبات والاصطفافات الحزبية من خلال الانتخابات.

ولكن ها أن الميدان يكشف الرأي الفعلي للأمنيين والعسكريين. ويكشف جوهر النموذج التونسي، لمن لم يفهم بعد الاستثناء التونسي. التجربة التونسية تختلف في سياقاتها وفي تاريخها عن التجارب العربية التي ترتكز وتتحكم فيها أنظمة عسكريتارية.

وربما يعيد البعض مدنية التجربة التونسية إلى بورقيبة، إلا أني أعتقد أن بورقيبة نفسه يندرج في إطار التاريخ الطويل، ويكفي هنا أن نذكر ببدايات العهد العثماني الذي خيم على أغلبية البلاد العربية مشرقا ومغربا، فبينما عاشت بلاد الشام ومصر تحت حكم المماليك العسكري، لم يستمر في تونس حكم الباشوات العسكري إلا بضع سنوات، ثم تلاه حكم الدايات في اتجاه أقل عنفا، وصولا في آخر المطاف إلى البايات، في حكم شبه مدني.

وامتدادا لذلك كان من الطبيعي، أن تحدث في كل بلد من المشرق العربي العشرات بين انقلابات ومحاولات انقلاب ومؤامرات واغتيالات وتصفيات دموية، ولم يكن من الطبيعي أن يحدث مثل ذلك في تونس، وحتى ما تم الكشف عنه في 1962 لم يرق إلى مجرد محاولة انقلابية. تونس تختلف عن مصر وعن سوريا. التاريخ يقول هذا.

أعود إلى عزوف الأمنيين عن الانتخابات، هذا يتماشى تماما مع التاريخ، ويدلل على فرادة التجربة التونسية.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات