الفرق شاسع واسع بين من قدم مشروع قانون للمصالحة مع الفاسدين، ومن أعلن الحرب على الفساد وأمر بإلقاء القبض على البعض منهم. الأول هو الباجي قايد السبسي والثاني وزيره الأول يوسف الشاهد، فهل يمكن أن يصل التضارب بينهما إلى حدود 180 درجة؟ وهل يمكن للوعود التي قدمها نداء تونس لمموليه بالعفو عنهم أن تتحول إلى تتبعات ومحاكمات؟
صحيح أن مشروع قانون المصالحة وجد معارضة شديدة، ترجمتها مظاهرة 13 ماي، وصحيح أيضا أن هيئة الحقيقة والكرامة فعلت فعلها من خلال الاستماع إلى أحد أباطرة الفساد. ولكن لا يمكن أن يصل الأمر بين ساكنيْ القصبة و قرطاج إلى حد هذا التناقض. فهل هو مجرد تكتيك لصرف الأنظار عما حدث في الجنوب؟
ربما، لكن الأكيد أن السيستام يتفاعل على طريقته مع تطور الأحداث، فلا يمكن له أن يصمد طويلا أمام المطالبات والضغوطات الشعبية، ولا أن يصم آذانه أمام التقارير الدولية وآخرها تقرير مجموعة الأزمات الدولية الذي اعتبر أن الفساد و الجهوية يهددان بتعطيل الانتقال الديمقراطي في تونس.
لقد كان السيستام قبل الآن حريصا على حصر الفساد في بعض العائلات المتصاهرة مع الرئيس المخلوع وأساسا منها الطرابلسية، إلا أن ما يظهر اليوم أنه على أهبة أن يغير تكتيكاته بحيث يوسع الدائرة قليلا إلى آخرين. والملفت هنا أن يكون أول الذين استهدفهم الحملة هو شفيق الجراية بالذات. وهذا قد يندرج في إطار الصراعات بين شقوق نداء تونس.
إلا أن استهداف شفيق الجراية بالذات قد لا يقود بعيدا في محاربة الفساد، خشية أن يحرق آخرين بالنظر إلى أنه أحد أكبر داعمي وممولي حزب رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة.
وفي انتظار ما ستسفر عنه الحملة حقيقة، فهي إلى حد الآن تبدو حملة انتقائية، وتبقى انتقائية ما لم تشمل المئات من المتورطين في الفساد من بينهم المنافس المباشر لشفيق جراية أي كمال اللطيف الذي نعرف تدخلاته -دون أي صفة- في دواليب الدولة منذ ثلاثة عقود على الأقل. في غياب ذلك لن تعتبر فقط حملة انتقائية ضد الفساد، وإنما معركة بين فاسدين انتهت بانتصار أحدهما على الآخر.