أنا يحزنني أن يتدخل الجيش لفضّ أزمة الباخرة المُضرب طاقمها. يحزنني ليس لأنني أريد للإضراب أن يستمرّ، ولكن لأن النقابيين لم يقدّروا أنهم، في كل إضراب مشابه أو عشوائي، يجعلون المواطنين رهائن دون ذنب اقترفوه، وأخطر من ذلك أن الأمر انتهى بهم هذه المرة إلى أن يضعوا الاتحاد في وجه المؤسسة العسكرية التي لم يخدش صورتَها خادش، خلاف صورة الاتحاد التي فقدت -مع الأسف- الكثير من نصاعتها لدى الرأي العام.
ويكفي أن نتابع في هذا السياق، ردود الأفعال التي تصطفّ هذه المرة إلى جانب المؤسسة العسكرية مقابل التنديد بالاتحاد. ولا يجب أن نغالط أنفسنا بالتخفيف من تلك الردود بمحاولة تصنيف أصحابها سياسيا أو طبقيا أو حتى حزبيا.
هذا جزء من الرأي العام شئنا أم أبينا. وما يؤسف له حقا هو أن الاتحاد يبدو وكأنه يتصرّف غير مبال بما يحدث له أو حواليه، أو كأن هناك طرفا أو أطرافا داخله تسعى إلى الحطّ من صورته تمهيدا لما هو أبعد من ذلك. فيتحول بإصرار منها إلى أداة ليس أكثر.
وهنا فالاتحاد، مثله مثل أي هيئة أو منظمة أخرى، ليس كلا لا يتجزأ، وإنما فيه ألوان وأطياف، من الحدّ إلى الحدّ الآخر. بل نتذكر بعد حلّ التجمّع كيف تحوّلت شُعَب مهنية بكاملها إلى نقابات أساسية بعدما كانت طيلة تاريخها تعمل من أجل تكسير العمل النقابي، ونتذكر في هذا السياق أيضا كيف كوّن العُمد أنفسهم نقابات داخل الاتحاد، تدافع عن المطرودين منهم وتفاوض من أجل إعادتهم إلى حيث كانوا.
بمعنى أن مثل هؤلاء الطارئين على العمل النقابي، لا يهمّهم الاتحاد ولا صورته ولا حتى أن يتحطّم. بل ربما هم الآن سعداء بتدخل الجيش لقيادة أو إسناد الباخرة المحمّلة بمواطنينا إلى مَهَاجِرِهم، وعسى أن يغريه ذلك بتولّي باخرة تونس. وما يحزنني في هذا الإطار هو جهل هؤلاء بتاريخ بلادنا وطبيعة مؤسستنا العسكرية وعقيدتها التي تختلف عن نظيراتها في البلدان العربية الأخرى.