شريط حشاد..

Photo

المعنون "اغتيال حشاد" الذي بثته "الجزيرة الوثائقية" في ديسمبر 2009 أحرج نظام بن علي أيما إحراج إزاء الفرنسيس. وأحرج القيادة النقابية يومئذ فسارعت إلى تقديم شكوى أمام القضاء الفرنسي. وكانت مجرد ذر للرماد في العيون لأن القضاء الفرنسي الذي أغلق الملف في الخمسينات ما كان له أو بمقدوره أن ينظر فيها من جديد.

للتذكير فإن ذلك الشريط قد شارك فيه من الفاعلين أم الخير حشاد، أرملة الشهيد، وأحمد بن صالح أمين عام الاتحاد العام التونسي للشغل فيما بين 1954 و1956، ومصطفى الفيلالي الوزير والقيادي النقابي، وأنطوان ميليرو الذي اعترف بمشاركته في اغتيال حشاد، إلى جانب عدد من المؤرخين الجامعيين عدنان منصر، محمد ضيف الله، عميرة علية الصغير. وقد أثار ذلك الشريط منذ عرضه الكثير من الانتقادات، الكثير منها صحيح حيث فيه جرعة من التسييس، إلا أن الكثير منها أيضا فيه تحامل لا تخفى خلفياته، بما في ذلك الموقف من قناة الجزيرة، والتساؤل ما دخلها للاهتمام بالتاريخ التونسي.

بعد الثورة وقع عرض ذلك الشريط في قاعة أفريكا بالعاصمة في أفريل 2011، بحضور المنتج جمال الدلالي وعائلة الشهيد وجمع غفير من الصحافيين وغيرهم من المهتمين، وقد دار النقاش بعد العرض ليأخذ كل مأخذ حتى أن إحدى الصحافيات قالت يومها بأن فرحات حشاد يغتال اليوم لثاني مرة! قمة التعبير على نوع من التطرف أو عن الإيديولوجيا.

مرت اليوم إنتاج ذلك الشريط 7 سنوات كاملة، ولم يتم إنجاز ما يشبهه أو ما يقرب منه فنيا ولا مضمونيا، ليس لأنه لا يُضاهى وإنما الكثير ممن لهم قدرات على التهديم ليس لهم قدرة واحدة على الإنجاز، عجز.

في ليلة الذكرى 64 لاغتيال الزعيم فرحات حشاد بثت القناة الوطنية 1 شريطا "مجمّرا" يعود تركيبه إلى ثلاث سنوات مضت أي سنة 2013، وهذا الشريط يفتقد إلى الحد الأدنى من المهنية هو فقط عبارة عن كوكتال من التسجيلات المأخوذة من هنا وهناك، وتمثل عمل المنتج في الميكساج بينها مع مرافقتها بنص من تحرير المذيعة دعد حمادي، نعم النص من كتابة صحافية. في هذا الشريط لم يظهر من المؤرخين إلا مصطفى كريم في تسجيل معه يعود بالتأكيد إلى السبعينات، وقد كتب اسمه خاطئا "مصطفى خريف" (كذا). بطبيعة الحال منذئذ المعرفة التاريخية تقدمت كثيرا كثيرا ولا أثر لذلك في هذا الشريط "الوطني" (نسبة إلى قناة "الوطنية 1").

الملفت أن هذا الشريط ينتهي بتكريم فرحات حشاد من قبل فرنسا، حيث أطلق اسمه على ساحة بباريس تعلوها صورته. هو طي للملف بطريقة أخرى ونوع من سير المجرم وراء نعش الشهيد، ذلك أن الوثائق الأرشيفية الفرنسية التي تم الكشف عنها تبين أن اغتيال فرحات حشاد جريمة ارتكبتها الدولة الفرنسية بواسطة مخابراتها، المعروفة باسم (SDECE) مصلحة التوثيق الخارجي ومكافحة التجسس. من هنا نفهم لماذا لم يفتح بورقيبة والاتحاد في الخمسينات ملف اغتيال حشاد.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات