سوسيولوجيا الانقلابات

Photo

لقد قمت بإحصائية سريعة للانقلابات ولمحاولات الانقلاب في البلاد العربية فوجدتها قد تجاوزت الأربعين خلال 80 سنة. بطبيعة الحال هناك مناطق أخرى في العالم تشاركنا هذه الظاهرة وخاصة منها إفريقيا وأمريكا اللاتينية، وقد لا يكون من التسرع القول بأن هذه الظاهرة ترتبط بالبلدان المتخلفة وهي عنوان التخلف وأحد المؤشرات عليه. دون أن يعني ذلك أن البلدان الغربية بعيدة عن التخطيط للانقلابات، لا ننسى في هذا الإطار المرتزق الفرنسي بوب دينار الذي قاد العديد من الانقلابات في إفريقيا؛ كذلك فإن وكالة الاستخبارات الأمريكية هي التي قادت ووجهت العديد من الانقلابات عبر العالم ليس فقط في أمريكا اللاتينية، وإنما أيضا حتى في البلدان العربية ناهيكم أنها كانت -على الأقل- وراء أول انقلاب حدث في تاريخ سوريا، كذلك كان لها نفس الدور في الانقلاب على مصدق بإيران سنة 1953 الخ.

فكرتي أن هذه الظاهرة يمكن أن تتحول إلى مبحث جديد في علم الاجتماع. لم لا سوسيولوجيا الانقلابات على غرار سوسيولوجيا التخلف أو سوسيولوجيا الثقافة أو سوسيولوجيا الفقر. ومثلما هو الحال بالنسبة لتلك المباحث فالأكيد أن سوسيولوجيا الانقلابات تمكننا من فهم أفضل لتاريخنا وأوضاعنا وسلوكاتنا وأفكارنا وردود أفعالنا الخ.

في انتظار من يجسم هذه الفكرة، أعتقد أن الانقلابيين رغم ما قد يثيرونه من رعب أو رهبة أو هيبة، هم في أعماقهم جبناء، والدليل على ذلك أنهم يستقوون بالسلاح ضد المدنيين. ولعل من الأدلة على جبنهم أن محاولاتهم تتم عادة ليلا. بمعنى أن الليل هو الوقت المفضل لتحرك الانقلابيين، والمحاولة الانقلابية الأخيرة في تركيا ما هي إلا مثال، كذلك فإن أغلب الانقلابات التي جرت في البلاد العربية كانت بالليل، أي عندما يكون الناس نياما، حتى إذا ما استيقظوا يجدون أن الأمور قد حسمت فلا يمكنهم أن يردوا الفعل على ما جرى. بمعنى أن الانقلابيين يتحركون في الوقت المفضل لدى السراق. الفرق أن هؤلاء يسرقون من الناس أشياءهم، والانقلابيون يسرقون منهم إرادتهم وموقفهم ورأيهم وحرياتهم أيضا.

كذلك مما يدل على جبن الانقلابيين أنهم يتحركون في فصل الصيف، أي عندما يقل النشاط والإنتاج، ويستسلم الناس للدعة والراحة السنوية. بحيث لا يتوقع الانقلابيون ردود أفعال معارضة لهم في الشارع ولا في الجامعات ولا حتى في مقار العمل، بما يجعل انقلاباتهم دليلا على جبنهم، المحاولة الانقلابية في تركيا حدثت في جويلية. وهو الشهر الذي عرف أكثر انقلابات في تاريخنا العربي.

فمن ضمن 41 انقلابا أو محاولة انقلابية حدثت في البلاد العربية مشرقا ومغربا، يتصدر شهر جويلية بقية الأشهر ب9 انقلابات، وأما الأشهر الصيفية الثلاثة جوان وجويلية وأوت فقد استحوذت بمفردها على 18 انقلابا أو محاولة انقلابية أي ما يقارب 44% من المجموع. ولا شك أن ذلك لا يدل على شجاعة الانقلابيين وإنما على جبنهم. الملاحظة الأولى إذن أن الانقلابيين جبناء. ولنا عودة للموضوع.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات