على المستوى الرمزي قد تعتبر حكومة وحدة وطنية وعتيدة أيضا، فيها كل الأطراف الإيديولوجية، مجسمة في أحزابها، بما في ذلك حزب الوان شو لسمير بالطيب، بل فيها حتى أحزاب ليس لها فيها وزير ولا كاتب دولة، يكفي أنها صوتت لها ومثال ذلك مشروع نداء تونس الموازي والوطني الحر، بل فيها حتى من صوت ضدها، وأساسا الجبهة الشعبية التي لديها فيها وزير أو أكثر.
لكن عمليا نحن الآن في مرحلة التغول التي كان قد وقع التحذير منها خلال المرحلة الثانية من الانتخابات الرئاسية، فكذب الإعلام آنذاك ولم يكن سماع ذلك يهم قطاع الطرق، وهاهم اليوم قد أوصلونا إليها بدون ضجيج. بل هو تغول لم يتوقعه حتى الذين تحدثوا عنه في 2014، هو تغول العاصمة على بقية البلاد، فربع الوزراء من مواليد العاصمة، وما يقرب من نصف ولايات الجمهورية غير ممثلة في هذه الحكومة، بما فيها سيدي بوزيد والقصرين، تجسيما سياسيا لاختلال التوازن الجهوي على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والتنموي. دعنا من المناطق التي لم تصوت لهم، فها هي تغيب عنها حتى تلك التي صوتت لهم، وكأنه يعوزها وجود شباب أو إناث جميلات، أو حتى كفاءات.
نعم تغول العاصمة تجلى في أوضح أشكاله ومعانيه، بما يذكر بحكومات المماليك في القرن التاسع عشر، يوسف صاحب الطابع ومصطفى خزندار ومصطفى بن إسماعيل. قبل ما يزيد عن القرن من زمن بورقيبة الذي أقام توازنات أخرى بموجبها لم يخرج الوزير الأول من غير الساحل. وهو ما بقي محترما في العهد النوفمبري.
هو تغول حزب واحد، وإذ رأيناهم يتحدثون عن تغول النهضة زمن الترويكا، ولم تكن لها إلا رئاسة واحدة، فماذا نسمي سيطرة نداء تونس على الرئاسات الثلاث، البرلمان والجمهورية والحكومة، إن لم يكن تغولا مثلثا بالمقارنة مع ما كان في عهد الترويكا؟ ليس هذا فقط ففي هذه الحكومة ربع الوزراء من نداء تونس بدون احتساب الوزراء المعلن أنهم "مستقلون" وكانوا في هياكل التجمع الدستوري، مثل نزيهة العبيدي الزوابي. بمعنى أن الشركاء في هذه الحكومة الوطنية، ليسوا متساوين في الحضور، وفيهم من لم يفز إلا ببعض مقعد.
التغول الذي لم ينتبه إليه هؤلاء الشركاء ولا الرأي العام، طبعا ولا يهم الإعلام الإشارة إليه أو مناقشته، هو ما يتعلق ببقية المواقع في الدولة. فهل يمكن حقيقة أن نتكلم عن حكومة وحدة وطنية، وكل الولاة وكل المعتمدين وكل العمد وكل السفراء وكل القناصل والرؤساء المديرون العامون وكل الكل هم من نفس الحزب، نداء تونس؟ وماذا يسمى هذا إن لم يكن تغولا؟
تغول العاصمة على الدواخل، وتغول نداء تونس على بقية الأحزاب في الحكومة، وتفرده في التمثيل الدبلوماسي وفي إدارة البلاد جهويا ومحليا، لا يقدم صورة ولو تقريبية عن حكومة وطنية، وإلا فهي وطنية مغشوشة، والعقلية التي تقف وراءها تراهن على المغالطة والكذب أمام الملأ. حكومة مثل هذه ليست وطنية.