7 نوفمبر عقلية.. وثقافة أيضا

Photo

يتصرفون كما لو أن التاريخ لا وجود له أو لا يهمّهم ما يكتبه عنهم أو كأنهم متأكدون أنه سيتغاضى عن تسجيل أعمالهم ومواقفهم، أو أن ما يقومون به أو يقولونه سيعتبر نضالات أو حتى إنجازات وبطولات، أو أن ما يأتونه سوف يأتي من المؤرخين من يبرره أو يتفهمه، أو ربما يكتبه في صفحات بيضاء ناصعة تليق بالرجال العظام الذين يتوهمون أنهم هم. بالفعل فما يصدر منهم مثير للغرابة، ولكنهم لا يشعرون أو لا يفهمون أو لا يقدرون أو يقبضون ثمن ما يقدمون. غريب.

نعم فعلى البلاتوهات والمنابر، في الشوارع والمقاهي، وفي الساحات جميعها، نقرأ ونسمع الأكاذيب والإشاعات والترهات والخزعبلات، ولو أن ذلك يصدر من أتباع لا يفقهون أو غير مسؤولين، لكان دليلا على ما يدور بينهم في خلواتهم ويتعلمونه في خلاياهم، فما بالك لو يصدر مباشرة من زعماء أو قادة يقدمون أنفسهم على أنهم جديرون بالحكم والتوجيه وأنهم يمتلكون الحكمة والبدائل وفصل الخطاب. تصوروهم عندما يتكلمون عن نلسن مانديلا مثلا، يقفون معه على نفس الدرجة. شتان.

وإن ما نسمعه يوميا ونراه لا يصدر عن جهلة أو أميين أو مبتدئين في السياسة، وإنما ممن يعتبرون قادة الرأي من سياسيين وإعلاميين وحقوقيين ونقابيين ومثقفين وخبراء وغيرهم، يتهجمون على هذا، ويحرضون على ذاك، ويتآمرون سرا وعلانية على أولئك أو على الوطن، بعيدا عن كل الشعارات التي يرفعونها، بما ينال في آخر المطاف ليس فقط من يستهدفونه، وإنما يرتد عليهم هم أيضا وعلى أحزابهم وعلى مستقبلهم، بقدر ما يبعث الإحباط في النفوس واليأس من السياسة والسياسيين، والثورة والديمقراطية. نعم.

إنهم الدليل القاطع على ثقل تركة السابع من نوفمبر، حتى وإن كانوا له من المعارضين الأشاوس، فما نراه ورأيناه منهم كفيل بمسح ماضيهم في مواجهة الدكتاتورية، فما بالك بمن كانوا زمنئذ في ركابها، يعرضون خدماتهم في لجان التفكير التجمعية أو في نوادي 7 نوفمبر أو يتمعشون من وكالة الاتصال الخارجي، فها هم يؤكدون اليوم أنهم يحنون إلى حيث كانوا، خلاف ما حاولوا إيهامنا لسنوات. هؤلاء وأولئك يستوون اليوم في انتسابهم إلى ثقافة "التحول المبارك". 7 نوفمبر عقلية.

فبقدر ما يترك الجلاد ندوبا غائرة في أجساد ضحاياه، يورّثهم أوراما في تكوينهم وفي ثقافتهم، وعندما يغيب عنهم يصبح أقصى طموحهم أن يحتلوا مكانه كورثة شرعيين، وأن يتخذوا لأنفسهم ضحايا يروعون أبناءهم ويمارسون عليهم التعذيب أو يرمونهم في السجون أو يدفعونهم إلى المنافي. جلادون بأقلامهم لا تختلف كتاباتهم عما كانت تنشره الصحف الصفراء عنهم هم. بمعنى أن السابع من نوفمبر عقلية.. وثقافة رائجة أيضا. وإذ تعثرت الثورة ولم تتحقق المطالب التي رفعت خلالها فلأن تلك الثقافة راسخة في الذين كانوا يواجهونها وتلاحقهم، فتبين في آخر الأمر أنها استوعبتهم ولا يستطيعون الفكاك منها. وحينئذ فنحن في حاجة إلى جيل آخر، يجتث تلك الثقافة برمتها.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات