للفاسدين نصيبهم في بنڤردان..

Photo

عندما قرأت الخبر لم أشأ أن أفسد فرحتي، وفرحة أصدقائي. نعم نحن فرحون وأكثر، كما كل التونسيين تقريبا بأن داعش قد ارتطمت في بنڤردان بجدار قُدّ من الشجاعة والإباء والوطنية الخالصة، بمعنى أنها وطنية لا حسابات فيها ولا انتظارات لشكر أو لجزاء. ولا غرابة فليست المرة الأولى التي يعبر فيها الأهل هناك عن وطنيتهم الجامحة، ولن تكون المرة الأخيرة. وطنية على الميدان، لا كما تتطاير رذاذا من أفواه السياسيين أو الإعلاميين من ذوي الحسابات المعلومة. هم لا ينتظرون مساعدات عينية ولا حتى وعودا بمشاريع ولا حتى حقهم في التنمية أو التشغيل أو حتى الاعتذار لهم عن سيل السباب الذي سبق أن وجه إليهم. الوطنية لا مقابل لها تماما مثلما أن عائلة الشهيد حاتم بالطاهر رفضت استلام المبلغ الذي أسندته الدولة لعائلات شهداء الثورة.

الخبر الذي نغص فرحتي، لم أنتظر حصوله بالسرعة التي حصل بها كما لو أنه كان استجابة لمطلب شعبي.. إذ لم يتأخر مثلما لم تتأخر المنحة التي أسندت لأصحاب النزل الفخمة عشية العملية الإرهابية بسوسة. جاء في برقية لوكالة تونس إفريقيا للأنباء بتاريخ يوم الاربعاء 9 مارس ما يلي: "…وصرح محمد الناصر بأنه تم التطرق كذلك إلى مشروع قانون المصالحة الاقتصادية الذي كان تقدم به رئيس الجمهورية، مؤكدا أنه سيتم خلال الأيام القادمة عقد اجتماع للكتل البرلمانية في جلسة توافقية حول هذا المشروع، قبل عرضه على اللجان التشريعية ثم المصادقة عليه".

نعم قانون المصالحة الذي لقي معارضة شعبية واسعة في حينه، ها هو يطل من جديد ليقع تمريره في ظل الظرفية التي تمر بها البلاد. بمعنى أنهم يريدون تصريف شحنة الوطنية القوية لخدمة الفاسدين الذين سرقوا المال العام. لقد حسبناهم قد اقتنعوا بأن مشروع القانون لن يمرّ بعد ما لاقاه من رفض شعبي، وحسبنا أن الحزب الذين صعّدوه قد تشظى ولم يعد قادرا على الاستجابة لما وعدهم به، ولكن ها قد تبين أنهم فقط كانوا ينتظرون الفرصة، وها هم يقدرون اليوم أن الفرصة قد سنحت لهم، في ظل هذه الوطنية الفياضة لكي يمرروا ما عجزوا على تمريره، وكأن من مقتضيات الوطنية أن يقبل الشعب تمرير مصالحهم، أو كأن الوطن هو ما يستطيعون سرقته بفعل القانون.

الآن نفهم تماما ما معنى سيل الانتقادات التي تتردد هذه الأيام حول البطء في أداء مجلس نواب الشعب، وصولا إلى التلميحات بحله. نفهم أيضا ما معنى إشارة قايد السبسي في خطابه إلى الفصل 80 من الدستور والذي يبدأ "لرئيس الدولة في حالة خطر داهم مهدد لكيان الوطن وأمن البلاد واستقلالها…". بل نفهم التلميحات على لسان بعض الإعلاميين من أن النظام التونسي كما أقره الدستور بدا ثقيلا لا يستجيب للوضعية، وهو ما يعني في آخر المطاف التشكيك في الدستور رغم أنه لم يمر غير عامين فقط من المصادقة عليه. كل شيء مسخر لهؤلاء، وهم الذين يدفعون الأمور لتسخيرها لخدمة مصالحهم الضيقة بعيدا عن الوطنية وعلى حساب الوطن.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات