وادي الدولار..

Photo

نهْرٌ حقيقي من الأموال انبجس قرب الربع الخالي واتجه من الرياض، ليصب في واشنطن على ساحل المحيط الأطلسي. بدون أن يصحب ذلك كلام كثير، ولا تفاخر ولا تبجح، وبدون مقابل حتى ولو كان في حجم كلمة شكر حارة.

ثم قرأنا تدوينة على تويتر كتبها ترامب بعد عودته مظفرا، قائلا بالثلاث جُوبْز، جُوبْز، جُوبْز. وبالفعل فـ460 مليار دولار، تساوي مجموع ميزانيات دولة مثل تونس إلى ما بعد منتصف القرن الحالي وتحديدا إلى عام 2056، وتساوي ميزانية دولة مثل موريتانيا لمدة 288 سنة بالتمام والكمال أي إلى بداية القرن الرابع والعشرين، باعتبار أن ميزانية الجمهورية الإسلامية الموريتانية لسنة 2017 تساوي 1.6 مليار دولار.

دعنا من القول إن هذه الأموال، لو وجهت إلى فائدة المسلمين أو العرب، لقفزت بعدة دول عربية مجتمعة من عالَم متخلف إلى عالَم مختلف. إلا أن ذاك أبعد من واشنطن في التفكير "الاستراتيجي" لآل سعود. دعنا من القول أيضا بأن ما تدرّه تلك الأرقام من نسبة فائدة لو استعملت في السعودية نفسها لتمّ القضاء على الفقر فيها.

إلا أن المهمّ في تقديري أن صرْف ذلك النّهر بالشكل الذي تمّ، لا يلبث أن يسفر عن إيجابيات كثيرة. أولها أن السعودية قد شحّت خزائنها إلى درجة أن ذلك سينعكس آليا على مكانتها في الإقليم وفي العالم. ولا يغرّنا هنا قائمة الدول التي ائتمرت بأوامرها في الأزمة الراهنة، من موريتانيا المُشار إليها أعلاه إلى جزر القمر والسنغال وجيبوتي وجمهورية كردونيسيا ومملكة أصطراكيا المتحدة، فإن مواقفها خالصة مسبّقا أو على الأقل أملاها عليها الطمع في البترودولار.

وهو ما لا يمكن ضمانُه مستقبلا بعد نُضُوب مصدر الطمع. كذلك من الآن فصاعدا ستتراجع قدرات آل سعود على شراء العملاء من سياسيين وإعلاميين ورجال دين. والحمد لله أولا وآخرا.

نعم السعودية، وبقطع النظر عن مآلات الأزمة الحالية في الخليج، سيتقلص تأثيرها إقليميا، ولا أحد تسبّب في ذلك أكثر من تدبيرها، بحيث يفعل السعودي بنفسه ما لا يفعله العدوّ بعدوّه.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات