منذ مدة طويلة لم أتابع البلاتوهات التلفزية، وهو ما أتيح لي مساء يوم الانتخابات البلدية، إذ جلست ساعات طويلة تابعت خلالها تدخلات وتحليلات مختلف القيادات الحزبية عندنا، على المباشر، سواء على البلاتو أو من مقراتهم الحزبية.
في الأثناء، تمنيت حقيقة أن أعلن أحدهم عن اعتزامه الابتعاد عن السياسة بسبب فشل حزبه في الانتخابات، ولو وقع ذلك لكان أحسن هدية لنا جميعا وللتجربة الديمقراطية ولأنفسهم، بقدر ما يعتبر مؤشرا على انغراس الديمقراطية عندنا، ولكن هذا لم يقع، فالزعامات عندنا -كما هو واضح- لا تخطئ أبدا، ولا تتراجع أبدا!
بعيدا عن هذا الأمل الكاذب، قلت لا أقل من الفرجة على مختلف القيادات الحزبية وضمان الاستماع إلى الحد الأدنى من التحاليل السياسية، والإطلاع على وجهات نظر مختلفة، فأنت أمام نخبة البلاد السياسية في الحكم وفي المعارضة وفي الكواليس.
إلا أن هذا تبين أيضا أنه أمل كاذب. ولا شك أن من تابع -مثلي بعد غياب- الزعامات السياسية نفسها تتكلم أو تحلل، يصطدم -أو هذا ما وقع لي حقيقة- بتدني المستوى. وكأن هناك إصرارا على عدم الغوص في التحليل السياسي.
هذا يحتج على قطع البث على زعيمه، وهذا يريد أن توزع الكلمة حسب نتائج الانتخابات، وهذا يعتبر الانتخابات عقابا لأحزاب الحكم وكأن الناخبين صوتوا لحزبه هو، وهذا يبرر مركز حزبه بتواضع عدد القائمات التي تقدم بها، وهذا يريد احتساب القائمات المستقلة في نتائج حزبه، وهذا يعتبر القانون الانتخابي في خدمة الأحزاب الكبيرة.
وهذا يتهجم على الزرقوني بسبب عدم ظهور حزبه في سبر الآراء، وهذا يلوم الزرقوني على عدم إظهار القائمة التي فازت من حزبه، فبحيث تصورت بعض الوقت أن الموضوع يدور حول سبر الآراء وكيفية إجرائه، وليس حول الانتخابات البلدية ليوم 6 ماي 2018.
وليس أمامك إزاء هذه الضوضاء إلا أن تقول كم يقاسي أتباع هؤلاء، وكم يتحمّلون. وأما الديمقراطية فتكون انعكاسا لمستوى الطبقة السياسية، وهذه الطبقة دون الحد الأدنى بكثير.