أمير قطر في تونس، ذو الاسم الطويل الشيخ تميم بن حمد بن خليفة بن حمد بن عبد الله بن جاسم بن محمد آل ثاني، نعم بقامته الفارعة ولباسه الخليجي المميز، لم يره واحد منهم، لم يسمع به أحد، فلم تنتظم وقفة ضد حضوره في مؤتمر الاستثمار، ولم يتجمع حتى ثلاثة فقط ممن كنا نراهم، احتجاجا على زيارته بلادنا-بلادهم لا أمام مقر إقامته ولا على درجات المسرح البلدي ولا حتى في أحد الشوارع الخلفية. لم يصرخ أحد: "شعب تونس شعب حر، لا أمريكا، لا قطر". لم يتكلم أحد أمام الكاميرات، ولم يكتبوا تنديدا حتى على الشبكات الاجتماعية، ولا نشروا شيئا عن الشيخة موزة، أمه. صُمّ بُكْم عُمي.
لقد غابت تماما "مشاعرهم الوطنية" وتوقفوا عن التعبير عن "مواقفهم المبدئية" وأمسكوا عن "تمسكهم بالسيادة الوطنية". خرست الألسن، كأنما هم يستجيبون طائعين لأمر عليّ إلى فيلق من الصبايحية. نتذكر شعاراتهم ووقفاتهم الصاخبة. ذابوا عن الأنظار، ما أبشع أن يكون الواحد لعبة تتحرك بمفتاح، وتبقى بدون حراك عندما لا تكون هناك حاجة إليها. أم تراهم يختلفون عن أن يكون دُمى؟
يختلفون. إذن لماذا نسوا الممانعة التي كانوا فرسانها؟ لماذا تخلوا عن وطنيتهم أو قوميتهم الفياضة التي رأيناها فيهم سابقا إذ لم يفوتوا آنذاك فرصة أو ما دونها للتعبير عنها بحماس، فلم نسمع منهم اليوم تنديدا بقطرائيل؟ ولا تكلموا عن قاعدة السيلية ولا قناة "الخنزيرة"، أم ترى قد تم إسكاتهم بإصبع أو ربع عبارة، أشششت؟ أم هم خاضعون للأوامر والنواهي؟
يختلفون. إذن هل كانوا يشتغلون للحساب الخاص أو -لطفا بهم- لحساب حزب الوطنية حزب الثورية حزب الاستقلال الوطني، يأتمرون لأوامره وينتهون عند نواهيه، في ما يشبه الانضباط الحزبي المطلق. خرجوا ضد قطر، الامبريالية العظمى، عندما طلبت منهم القيادة الخروج، ولم يخرجوا لأنها لم تطلب منهم الخروج.
ترى هل سأل الواحد منهم: لماذا لم يُطلب منه اليوم ما قد طُلب منه بالأمس؟ ما الذي جعل "القيادة" الثورية النورية تغير مواقفها وأوامرها وتكتيكاتها؟ هل يمكن مثلا أن تخضع في ذلك لمقدار ما تقبض؟ وهل تفعل ذلك من وراء ظهورهم؟ أم أن المصلحة الوطنية عندها تقتضي اليوم خلاف ما كانت تقتضيه بالأمس نفس المصلحة الوطنية؟ أي مشاعر غير الرثاء يثيرها هؤلاء؟ حالة يرثى لها. حالة تثير الغثيان.