لفت انتباهي خطاب أردوغان الذي ألقاه مساء اليوم الأول بعد فشل المحاولة الانقلابية. فمن يسمعه يتكلم لأول مرة، يقول إنه لا يحسن الخطابة، والأكيد أنه ليس خطيبا مُفوّها، أو أنه لم يكن مستعدا للكلام بالأصل. إلا أن هذا الخطاب المتقطع لم يكن خاليا من رسائل، أبرزها في اعتقادي ما حملته شارة رابعة التي رفعها أردوغان. بطبيعة الحال نتذكر أن هذه الشارة تنسب إليه شخصيا إذ سبق له أن رفعها تنديدا بعملية القمع التي تعرض لها اعتصام رابعة العدوية في القاهرة قبل ثلاث سنوات، وقد غدت رمزا للحرية، وكأنه بالتالي يذكّر بأنه مازال على العهد، انتصارا لضحايا رابعة.
لكن لا نعتقد في نفس الوقت أن أردوغان على علم بما أبداه إعلام الانقلاب المصري من ابتهاج وترحيب كبيرين بالانقلاب التركي وصولا إلى اعتباره ثورة، مثلما كانوا اعتبروا الانقلاب العسكري في مصر ثورة شعبية. إلا أن النظام المصري سيحس بأن رفع شارة رابعة موجه له خصيصا، أو أنه كان ردا على ما أبداه الإعلام المصري من شماتة في إردوغان الذي بشروا بأنه رحل بدون رجعة. وعلى أية حال فالأكيد أن المذيعين المصريين سيحسون بانكسار مضاعف بعد الفشل الذي مني به الانقلابيون في تركيا. انكسار لأن النموذج المصري غير صالح للتصدير، ولأن فرحهم تبين أنه كان خاويا.
يبقى أن شارة رابعة في اعتقادي ليست موجهة حصرا ضد النظام المصري، وإنما لمن وقف وراءه، لأن ما حدث في مصر آنذاك لم يكن نابعا عن إرادة شعبية فعلية والأدلة على ذلك أكثر من أن تحصى، ومن هنا فالشارة موجهة ضد من خطّط ومن نفّذ ومن موّل ومن أعطى الضوء الأخضر. وهؤلاء ليسوا طرفا واحدا، ولا هم في عاصمة واحدة. يكفي أن نقارن بين موقف ما يسمى "بالمجتمع الدولي" من الانقلابات التي تقع في هذا البلد أو ذاك بإفريقيا والموقف من الانقلاب العسكري في مصر، الذي لقي تأييدا صامتا.
ومن هذه الزاوية، فشارة رابعة يوضحها الطلب الذي تقدم به أردوغان للأمريكان، قال لهم: هاتوا فتح الله غولن. لقد سلمناكم من كنتم تطلبونه من الإرهابيين، فسلمونا هذا الإرهابي الذي وقفت جماعته وراء المحاولة الانقلابية. لكن إذا كان صحيحا أن تنظيم "الخدمة" الذي أسسه ويقوده غولن يشكل دولة داخل الدولة، فإنه لم يسبق له أن مارس أو دعا إلى العنف. وبالتالي فالتهمة التي وجهها أردوغان حتى قبل فشل الانقلاب تبدو جاهزة مسبقا، بما يعني أنها تتضمن ما يرتقي إلى "اتهام" الأمريكان بأنهم أعطوا الضوء الأخضر للانقلابيين، والأدلة لا تعوز في هذا المقام، إقامة غولن في بنسلفانيا ولكن أيضا موقف كيري الرخو من المحاولة الانقلابية قبل أن ينكشف فشلها، بما يذكر بالموقف الأمريكي خلال الانقلاب المصري قبل ثلاث سنوات.
الأخطر من ذلك أمريكيّا أن الشارة تتضمن رسالة واضحة للأمريكان بخصوص التعامل معهم مستقبلا في ملف الإرهاب، بمعنى المعاملة بالمثل.