على هامش محادثات أستانا في كازاخستان التي جرت يومي 23 و24 من الشهر المنصرم، قدم الروس للمعارضة السورية المسلحة مشروع دستور لسوريا أعده خبراء روس. ونشير هنا بأننا لم نسمع في الأثناء بأنهم قدموا نسخة لنظام بشار، رغم أن هذا المشروع من المفترض أنه لا يهم المعارضة وحدها. وإلا فإن ذلك يفردها بمستقبل سوريا أو على الأقل يجعلها تبدو وكأنها الطرف الأصعب في المعادلة السورية.
المهم أن من بين ما ورد في المشروع الروسي إلغاء الهوية العربية لسوريا حيث حُذفت عبارة "العربية" من اسم "الجمهورية العربية السورية"، مع ما يقابله ذلك من تركيز على العنصر الطائفي، العرقي والديني. ومن الملفت هنا ما صرح به وزير الخارجية الروسي لافروف من أن هذا الدستور "يراعي مواقف دمشق والمعارضة ودول المنطقة"، وبقطع النظر عن تسويته بين دمشق (أي نظام بشار) والمعارضة التي لم تعد روسيا تنعتها بالإرهابية، فإن المعارضة تتضمن أيضا الأكراد، حيث نزلت اللغة الكردية منزلة مساوية للعربية في المناطق الكردية.
الأخطر من ذلك أنه وقعت مراعاة "دول المنطقة"، وإن لم يذكرها فالأكيد أن من ضمنها الدولة العبرية. يكفي أن نتمعن هنا المادة الثامنة من المشروع التي ورد فيها: "تبني سورية علاقاتها مع الدول الأخرى على أساس حسن الجوار والأمن المتبادل وغيرها من المبادئ التي تقضي بها أحكام القانون الدولي". و"تنبذ سورية الحرب كنمط للإخلال باستقلال دول أخرى وكوسيلة لحل نزاعات دولية". فهل هناك أوضح من هذا طمأنة للدولة العبرية التي -للتذكير- يبلغ فيها اليهود الروس 20% من السكان اليهود، بما يؤكد أن التدخل الروسي جاء حماية لهم.
من جانب آخر، لسنا في حاجة للتذكير بأن دستور سوريا الروسي شبيه تماما بدستور بريمر للعراق، والذي أودى بالعراق إلى ما هو فيه حاليا. بمعنى أن الاحتلال يفرض في آخر المطاف رؤيته للأمور، ويعطي لنفسه أحقية أن ينتصب خبيرا يرسم معالم المستقبل لمن يحتل أرضهم. هذه قاعدة عامة، بحيث لا يبقى للبعض حتى يطمئنوا أنفسهم إلا محاولة التفريق بين احتلال جيد أو شرعي واحتلال سيء أو غير شرعي. وكلاهما سواء.
المثير للانتباه أنه رغم مرور ما يقرب من نصف شهر، على إعلان ذلك المشروع، فإن نظام بشار مازال يلتزم الصمت، كأنه غير معني بالموضوع. الصمت هنا قد يدل على استمرار حاجته إلى الداعم الروسي، ولعل وعسى أن تتغير الأمور في الأثناء.
إلا أن الصمت يتضمن التعبير الأوضح عن العجز والوهن، ليس فقط إزاء كيفية إنزال المشروع، ولكن خاصة من حيث محتواه الذي يضرب في العمق ركائز الشرعية التي قام عليها نظام الأسد الأب ثم الابن. هو صمت لا يختلف من حيث معانيه عن صمت من تلقى رصاصة قاتلة، بمعنى أن هذا المشروع معناه الوحيد سقوط نظام بشار، ونهايته لا تعني أن القادم أفضل، مادام قد ترك البلد تحت الاحتلال.