عندما يتهم أحدهُم شعبًا بالفساد..

Photo

تناقلت عدة مواقع إلكترونية ما قاله سمير بالطيب حرفيا تقريبا يوم 11 ماي 2017: "أتحدى أي تونسي أن يكون غير متورط في عملية الفساد" أو "أتحدّى أي تونسي ليست له علاقة بأي عملية فساد صغيرة أو كبيرة". وإذ قالها وزير ليس كمن قالها حريف في مقهى.

وهو بالتالي كلامُ مسؤولٍ في الدولة بما يفترضه من اطلاع ومسؤولية، ومقابل هذا الوضوح، لا ننتظر من أصحاب الكلاب أن يطلقوها، وسبق أن رأينا كيف أن عبارة واحدة يقيمون عليها الدنيا ولا يقعدوها، فإن أعوزتهم يصنعون الفبركات لتنعقد حولها البلاتوهات ويستقدم المحللون والخبراء والهلمّ جميعها.

وها أنهم جميعا في عداد الصامتين تقريبا، وحتى المواقع التي أشرت إليها، فقد اكتفت بإيراد "الخبر المقدس"، ولم تمارس "التعليق الحر". الشروق أونلاين مثلا اكتفت بعنوان على قدر الكلمات التي فاه بها الوزير، مع إضافة مقطع فيديو ببعض الثواني يتضمن ما قاله الوزير، وكأنما هي تعتذر لديه بأنها مجبورة على إيراد ما أوردته.

وعلى أية حال فقد قال الزعيم "آنا نتحدى أي تونسي، أي تونسي ما كَانْلُوش نهار، لحظة، دقيقة، أنُّو كان موجود في عملية فساد صغيرة كانت أو كبيرة. نتحدى أي تونسي"، ولست بالتالي في موقع أطالبه فيه بمصدر لتأكيد صحة ما يقوله، وإنما باعتباري مشمولا بحكمه المطلق، وبتحديه خاصة، فإن ما أفهمه من كلامه ذاك:


1- أنه يمتلك الدلائل والحجج وربما الملفات على تورط ملايين التونسيين في الفساد الكبير أو الصغير. وحتى إذا ما أنكر أي واحد منهم التهمة، فبإمكان الوزير أن يواجهه بما يناسبه من دليل مفحم. حيث أنها مسألة تحديات. ولمن يتجرأ فينكر من التونسيين أن يثبت العكس ربما.

2- أن الوزراء الذين يجالسهم في الحكومة مارسوا الفساد، من باب أنهم جميعا تونسيون. وباعتبارهم كذلك فالحكومة عاجزة عن مواجهة الفساد. قُضي الأمر.

3- أن وزير الفلاحة التونسي مشمول بكلامه، بما يساوي اعترافه بأنه سبق أن وجد في عملية فساد، وعلى أية حال ليس بإمكانه أن يثبت أنه ليس تونسيا. يبقى فقط أن يبين لنا من باب الشفافية أن يذكر لنا الموضع والمناسبة.

4- أن الفساد الذي هو "ظاهرة اجتماعية" والعبارة للوزير أيضا، يستوجب التعامل معه من باب القبول بالأمر الواقع، بما يشبه تقريبا التعامل مع الزطلة. وعلى أية حال، فقول الوزير يتضمن تأييدا لما سمي بمشروع المصالحة الذي يشمل الفاسدين.

كان بودي أن أفهم غير ذلك من قول الوزير، ولم يسعفني فهمي إلا بذلك، والأكيد أن كلامه يتضمن التسليم أمام الفساد الذي عمّ وطمّ ولا يستثنى من ذلك تونسي واحد مهما كان موقعه.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات