بعد الإعلان عن التحوير الوزاري، دار الجدل أساسا حول مدى حضور حركة النهضة في الحكومة. بعض أنصارها وبعض خصومها يرون أنها أكبر مستفيد من التحوير الوزاري. الأوائل يصدّقون ما تقوله لهم قيادتهم، وخصومُها يواصلون شيطنتها. إلا أن ذلك يستوجب التساؤل: كم من وزير للنهضة في حكومة الصيد الثانية؟ المتفق عليه منذ الحكومة الأولى أن للنهضة وزيرا واحدا يضيف إليه المهتمون أو المهمومون واحدا أو اثنين أو ثلاثة أو حتى أكثر طالما أن كل من شُوهد خارجا من مسجد -على قول سمير بالطيب- فهو من النهضة أو يأتمر بأوامرها، وصولا إلى اعتبار النهضة هي المتحكم في الحكومة. شيءٌ يطمئن أنصارَها إلى حكمة قيادتها، ويحفز خصومها للشحن ضدها.
أما بالنسبة لي فالسؤال يطرح حول الوزير المتفق عليه من النهضة، أقصد زياد العذاري وزير التشغيل. نعم هو عضو مجلسها للشورى والناطق الرسمي باسمها ونائبها في المجلس الوطني التأسيسي ثم في مجلس نواب الشعب. إلا أن السؤال الذي يطرح هنا: لماذا هو بالذات يسمى وزيرا ودون أن يثير ذلك لغطا كثيرا لا من الإعلاميين ولا من أحزاب المعارضة؟ وفي وزارة حساسة جدا مثل وزارة التشغيل؟ الواضح أنه ليس كأي من القياديين الآخرين. كيف ذلك؟
الحقيقة أن العذاري لا يخرج عن المركب الجهوي التاريخي للسلطة في تونس، ولسنا هنا نثير حساسيات جهوية عندما نشير إلى ذلك وإنما فقط لنفهم الأمور في هذا الموضع في إطار فهم الآليات التي اشتغلت بها السلطة في العهد النوفمبري وفي العهد البورقيبي قبل ذلك بل وحتى في بعض من العهد الاستعماري. حصانة العذاري يستمدها من هذا الانتماء الأول.
إلى جانب ذلك فزياد العذاري كان قد أنهى دراساته العليا بجامعة السوربون التي أنجبت أغلب النخبة السياسية التونسية سواء قبل الاستقلال أم بعده، ومازالت النخب الإدارية والجامعية والثقافية تنظر إليها بإجلال وانبهار. هذا أيضا يدخل في عين الاعتبار إلا أن الأهم من ذلك أن العذاري كان عضوا في جمعية التونسيين خريجي المدارس العليا الفرنسية (ATUGE) تماما مثل سعيد العايدي وياسين إبراهيم اللذين قُذف بهما بعد الثورة مباشرة لنكتشفهما لأول مرة في التشكيل الحكومي.
في هذا الإطار، يجدر الاطلاع على رسالة التهنئة التي وجهها وليد الكلبوسي الرئيس الحالي للجمعية المذكورة بعد انتخابات أكتوبر 2014، حيث سجل بارتياح انخراط أعضاء جمعيته في العديد من الأحزاب السياسية بهدف دفع المشاركة المواطنية أكثر من أجل بناء تونس الجديدة، وقد هنأ بالاسم كلا من سعيد العايدي وياسين إبراهيم ونعمان الفهري ومحمد الفريخة و... زياد العذاري. بمعنى أن وراء العذاري نفس اللوبي لخريجي المدارس العليا الفرنسية، ماذا بقي للنهضة بعد ذلك؟ أترك لكم التقدير. وهل يمكن له أن يجد معارضة أو حتى تنبيرا على الفيس بوك؟ هل يمكن مثلا أن تعارض تسميته أو حتى تنتقد أداءه الجبهة الشعبية في موضوع مزايدة بامتياز مثل التشغيل؟ ذلك غير مسموح به وإن فعلت فسوف تخسر كثيرا، هو ليس كغيره من النهضاويين. واضح؟ زياد العذاري، رضي عنه السيستام والإعلام ومن هم في فلكهم يسبحون.