كانت عبير موسي وجوقتها واقفة في مواجهة القاعة حيث ينعقد المؤتمر الختامي لأعمال هيئة الحقيقة والكرامة. كانت ومجموعتها يستعينون لإيصال أصواتهم بمكبرات الصوت، وهم يجتهدون في تذكّر الشعارات التي رُفعت ضدهم ذات جانفي 2011، ديـﭬاج، ديـﭬاج، يا خماج. هههه.
في البلدان الديمقراطية، أعداء الحرية يتمتعون بها، تماما مثل الذين يحلمون اليوم باستعادة النظام الفاشي في إيطاليا وكما يتحرك النازيون الجدد في ألمانيا أو حتى الملكيون في فرنسا. إلا أن الصفحات التي طويت في التاريخ لا يمكن استعادتها وإنما قصارى ما هنالك قراءتها.
وما قامت به هيئة الحقيقة والكرامة، يساعد على تلك القراءة. إذ قامت بتوثيق الجرائم التي ارتكبت في حق التونسيين خلال ما يزيد عن ستين عاما. ما يقرب من ست سنوات تسجيلات مع ضحايا الاستبداد الذين بلغ عددهم عشرات الآلاف، وعشرات الآلاف من انتهاكات حقوقهم.
لا يمكن كتابة تاريخ بلادنا في الزمن الراهن دون العودة إلى ذلك. وما كتب سيفقد الكثير من قيمته بعد أن تنشر التقارير ويصبح أرشيف الهيئة متاحا أمام الباحثين.
جماعة عبير موسي..
لا أقصد أولئك الذين أوتي بهم، ووقع تزويدهم بشاشية حمراء وأعلام ومضخمات صوت، وإنما أقصد تحديدا الرؤساء الثلاثة، نعم حسب الأهمية رئيس البرلمان ورئيس الحكومة ورئيس الجمهورية. فقد تبين لنا بما لا يدع مجالا للشك أن ثلاثتهم يصطفون إلى جانب عبير موسي.
فقط الفرق بينها وبينهم أنها رابطت أمام قاعة المؤتمر الختامي لتتهجم على الهيئة جملة وتفصيلا، بينما لم يحضروا هم. غيابهم يعني شيئا واحدا رفضهم للمسار برمته، وبصفة أدق وقوفهم مع الجلادين ضد الضحايا. موقفهم لا يختلف كثيرا عن موقف المخلوع نفسه، إذ لم يكن اثنان منهم سوى أدوات له في ما قام به.
تحايا وتهاني..
في المقابل، كل التحية لأعضاء الهيئة الذين صمدوا صمودا أسطوريا أمام الصعوبات التي اعترضتهم والعراقيل التي وضعت أمامهم، والتهجمات التي كانوا عرضة لها، والتهديدات التي تستهدفهم.
هنيئا لهم بما فعلوا، وهنيئا لهم بما أصبحوا عليه، وهنيئا لهم الأسس التي وضعوها لتونس الجديدة.