اطلبوا الأطباء ولو من الصين

Photo

هنيئا لأهلنا في مدنين الفريق الطبي متعدد الاختصاص الذي حل بينهم يوم الثلاثاء 1 نوفمبر قادما من جمهورية الصين الشعبية ليعالج مرضاهم ويخفف آلامهم. أنا حقيقة سعيد لهم إذ سيتوفر لهم أخيرا أطباء اختصاص هم في حاجة إليهم. علما هنا بأن كل واحد من هؤلاء الأطباء هو الابن أو البنت الوحيدة في عائلته، إلا أن ذلك لم يمنعه من قطع آلاف الكيلومترات بعيدا عن الأم والأب، والمجيء إلى الجنوب التونسي بـكل ظروفه التي تزعج خريجي كليات الطب بتونس وسوسة والمنستير وصفاقس.

هنيئا لهؤلاء الأطباء المستوى الإنساني الرفيع والروح النضالية الطبية، واستعدادهم للتضحية بمباهج الحياة وبالرفاهية.

صحيح أنهم قد يجدون صعوبة في التواصل مع المرضى الذين سيعالجونهم، وحتى مع المحيط الذي سيعيشون فيه، ولكن يبدو أن التواصل الإنساني من تحصيل الحاصل، يكفي دليلا على ذلك أنهم قدموا من عالم آخر، لغة وثقافة وحضارة، إلى بلد ربما لم يسمعوا به قبل ترسيمهم في قائمات التعاون الفني، وعلى أية حال فما هو مضمون أنهم لا يحتقرون مرضاهم، ولا ينظرون إليهم من عل، ولا يشعرون إزاءهم بالتكبر، ولا يسخرون من لهجتهم ولا من لباسهم. أطباء بالمعنى الأصح للكلمة، يهمهم تخفيف آلام الناس وليس تضخيم الحسابات البنكية غير الخاضعة للضريبة.

وهنا لابد من الإشارة إلى أن هؤلاء الأطباء لم يصرف دافعو الضرائب التونسيون على تكوينهم دينارا واحدا. فقد تكوّنوا في جامعات بلادهم هم وعلى حساب ميزانية دولة الصين العظيمة. أكثر من ذلك، لو جمعت الجرايات التي يقبضها الواحد منهم، لو استمر في العمل هنا في تونس طيلة عشرين سنة، ما وصلت إلى تكلفة تكوين طبيب واحد في إحدى كليات الطب التونسية، حيث تدفع تلك التكلفة المجموعة الوطنية.

يبقى التساؤل عن كفاءتهم، الإجابة على ذلك لا تكون إلا بطرح السؤال التالي: ما فائدة الأطباء التونسيين إن كانوا بعيدين عنا بُعد الصين عن تونس؟ وهذا لا يعني التسليم بأن هؤلاء أفضل من أطبائنا الصينيين. وقد سبق لبلادنا أن استقدمت زملاء لهم من مواطنيهم، كما استقدمت غيرهم من أوربا الشرقية ومن غيرها وقد عملوا طبعا في دواخل البلاد في مستشفيات جندوبة وقبلي وتطاوين ومدنين وغيرها. ولم يقع الاستغناء عنهم لعدم كفاءة، بل استمروا بين ظهرانينا سنوات طوالا، يعملون بكل روح التضحية والتفاني، وكان لهم من الذكاء والحس الإنساني ما جعلهم يربطون علاقات إنسانية واجتماعية ممتازة مع الأهالي الذين مازالوا يتذكرونهم في حين نسوا العديد من الأطباء التونسيين الذين عملوا معهم أو بعدهم.

وعلى أية حال فما هو أكيد عندي أن هؤلاء الأطباء الصينيين أفضل من كثير من الأطباء التونسيين ممن ينتمون مثلنا إلى نفس الوطن، يكفي أنهم رضوا بالتنقل آلاف الكيلومترات من أجل معالجة مرضانا في دواخل بلادنا، وهو ما لا يفكر فيه أطباء تونسيون كثيرون، قريبون جغرافيا بعيدون بكل المستويات الأخرى.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات