البلجيكي والموساد

Photo

في تقديري الخبر الأهم لهذا الشهر حتى قبل أن ينتهي، ليس السيارة التي وصلت إلى بنت حمة الهمامي، وإنما هو ما ضبط من أسلحة كان "مستثمر" بلجيكي ينوي إدخالها إلى بلادنا. 7 قوارير غاز لشلّ الحركة، معدات غوص، طائرة بدون طيار، 1000 خرطوشة مختلفة الأعيرة، أسلحة مفككة، ومسدسات فيها ما هو صوتي وفيما هو مشل للحركة... زائد جوازات سفر. قبل التعليق لابد من توجيه كل التحية إلى الديوانة، إذ كثيرا ما نغفل عنها كأحد الأسوار الأمنية العالية للبلاد.

ما يلفت النظر هو أن الخبر حظي فقط ببرقيتين لوكالة تونس إفريقيا للأنباء ليومي 9 و10 فيفري، بحيث أعلن عن كشف العملية في اليوم الأول وتمت ندوة صحفية في اليوم الثاني. ثم برودة سارية في مختلف الأوصال، بعيدا عن الردح الإعلامي الذي تعودناه في مواضيع أقل شأنا أو حتى مفتعلة. تذكروا فقط الإعلام وهو يعلق طويلا طويلا على نظرة عفوية إلى أعلى أو على زلة لسان من هذا السياسي أو ذاك. لا شيء من هذا الآن. كما لو أن هذا الخبر قد صنف بعدُ ضمن أخبار الحوادث العادية (faits divers)، مثل انفجار قارورة غاز أو انقلاب سيارة عشر مرات وخروج السائق سالما…

إضافة إلى ذلك فإن ما يثير الانتباه بل والحيرة فعلا هو أن الموضوع بقي بحوزة الديوانة إلى حد الآن فيما يبدو، فلم يخرج من أيديهم منذ أن كشفوا العملية وصولا إلى التحقيقات الجارية. إلا أن القضية في تقديري لا تتعلق بتهريب بضاعة غير مرخص فيها أو ممنوعة من مثل المخدرات، وإنما هي قضية أكبر من ذلك بكثير. في ظل التهديدات الإرهابية وفي ظل ما يمكن أن يحدث من اختراقات للأجهزة نفسها، بل وحتى في الأوقات العادية أعتقد أنها قضية أمن دولة بامتياز. نعم المسألة تهم الأمن القومي. سلاح آخر طراز. أجهزة لا يمكن استعمالها إلا للتجسس. معدات فيها ما يصلح للجو وفيها ما يصلح للبر وفيها ما يصلح للبحر. فهل يمكن اعتبار كل ذلك أمرا عاديا؟

نعم، الذي قرأ كتابا واحدا عن عمليات الجوسسة ومكافحة التجسس، لا يساوره الشك في أن الأمر يتعلق بإحدى المخابرات الأجنبية. جنسية المعني بالأمر لا تدل بالضرورة على بلد المخابرات التي يعمل لديها. ولا نتصور أن الموساد مثلا في مثل تونس سيرسل جواسيس بجوازات عليها النجمة السداسية. وبالتالي فالمسألة لا تهم الديوانة، حتى وإن أرادت الديوانة استثمارها، وإنما يجب أن تتولى التحقيق فيها جهات أخرى مهمتها مكافحة التجسس ومقاومة الإرهاب والجريمة المنظمة، أو على الأقل الاشتراك في التحقيق فيها بين العديد من الأجهزة ذات الكفاءة، ولتكن الديوانة من ضمنها.

خلاف ذلك من شأنه فيما أعتقد أن يكرس هشاشة الدولة، والاستهانة بها في أعين الآخرين، بما يغذي الجرأة عليها من قبل كل من يتربص بأمننا من إرهابيين ومرتزقة وجواسيس وأجهزة المخابرات.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات