نعم نتحدث عن الثورة..

Photo

المنظومة القديمة فشلت معناها فشلت، والثورة المضادة بما هي تعبير عن تلك المنظومة، قد أمكن لها أن تسترد أنفاسها نعم، وهذا ما حصل لها قبل سنة، ولكن ذلك لا يعني أنها يمكن أن تعود إلى حالتها السابقة. ذلك أن عجلة التاريخ لا يمكن أن ترتدّ إلى الوراء. دليلي على ذلك حال تجمع نداء تونس بين الأمس واليوم. يكفي أن نقارن بين ما كان عليه يوم 14 جانفي 2015 وما هو عليه يوم 14 جانفي 2016.

في التاريخ الأول كانوا قد خرجوا للتو فائزين في استحقاقين انتخابيين، في التشريعية وفي الرئاسية. بحيث أمسكوا بمفاتيح القصور الثلاثة من قرطاج إلى باردو مرورا بالقصبة. وقد ظنوها نهاية التاريخ وبدء ارتداد الفتنة. وكانوا يلوحون في خلواتهم بقبضاتهم تجاه من ثار عليهم وصولا إلى مراجعة شاملة لما تم في غيابهم.

وفي التاريخ الثاني اتضح لناخبيهم قبل منافسيهم أنفسهم أنهم كانوا باعة أوهام وصانعي أكاذيب، ويكفي للتدليل على ذلك أن نسبة التنمية بعد عام واحد من حكمهم لم تتجاوز حدود الصفر فاصل، بل أكثر من ذلك قد انتهى تجمّعهم إلى حزبين أو ثلاثة في انتظار تشققات أخرى.

إذن أين هم اليوم مما كانوا عليه قبل سنة واحدة عندما اجتمعوا على صعيد واحد، بقايا الشُّعب التجمعية، واليسار الانتهازي، ونقابات البوليس، والممولون المتهربون من دفع الضرائب، والإعلاميون ذوو الألسنة الطويلة، والبترودولار الخليجي... وحولهم ناخبوهم المغرورون، والمغرّر بهم، والقابضون، والموتى، وقطاع الطرق، والأذكياء ممن صوتوا التصويت الأجدى. أما اليوم فها قد ذهب عنهم رئيس الحملة الانتخابية وأقيل أول أمين عام واستقال ثاني أمين عام، وربع نوابهم ونائباتهم، وبعض وزرائهم، وحتى رئيس مؤتمرهم قد جمّد نفسه، واستقال واضع برنامجهم، وتحول البرنامج إلى مجرد وصية بالتوريث... أي سقوط أكثر من هذا للمنظومة القديمة. ألم يكن من الأجدى لها أن تستكين لمصيرها؟ أليس ذلك أفضل لها من محاولة فاشلة؟ وإلا فما معنى أن يرتد عليها اليوم الإعلاميون الذين كانوا في خدمتها بالأمس، ويعفّط لها وزراء رشحتهم، ويكشّر في وجهها نقابيون سبق أن مهدوا لها طريق العودة، إن لم يكن ذلك مؤشرا على الفشل الذريع؟

بطبيعة الحال المنظومة القديمة لا تيأس من تكرار المحاولة تلو الأخرى، يحدوها وهم أن تعود إلى حيث كانت قبل الثورة، ولكن هل ستجد الاستجابة التي لقيتها في محاولتها الأولى قبل سنة؟ وهل أن الداعمين والممولين سيصدقونها ثانية؟ وهل بإمكانها أن تستغفل الناخبين مرة أخرى؟ وما هي الضمانات التي ستقدمها لهم لتقنعهم هذه المرة بأنها ستكون وفية بوعودها وعهودها؟ ومن عساه سيصدقها ثانية بعد أن خبروا أداءها الرديء؟ وإن أعذرها بعضهم فهل تراها ستحظى بمثل حجم تأييدهم لها قبل سنة واحدة؟ مهما تكن الظروف فلن يجتمع عليها كل من اجتمع حولها في المرة السابقة. وهو ما يذكرنا بقانون المد والجزر الذي عرفته كل الثورات في التاريخ، وهذا ينطبق تماما على الثورة التونسية. نعم نتحدث عن الثورة التونسية..

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات