تاجر مظلات السعف

Photo

قفاف، مراوح يدوية، مظلات. هي كل سلعته المصنوعة من سعف النخيل الناصع البياض أو المصبوغ بألوان زاهية. قفاف تحمل الفرح بقدر ما تسعه من فواكه أو خضر وأشياء شتى، مراوح تجلب الهواء المنعش في الحر القائظ، مظلات تقي من أشعة الشمس الحارقة. ذلك كل ما يعرضه شيخ لا يرفع صوته للترغيب في بضاعته مثل باعة كثيرين، معتقدا أنها قادرة لوحدها على جلب الحرفاء، قد تحملك الصدفة إلى حيث هو في هذه الزاوية أو تلك من شوارع العاصمة وأنهجها.

رأيته هذه الأيام الأولى من شهر رمضان قرب محطة فرحات حشاد للمترو الخفيف، وكأنه يذكّر المارة من خلال زعيم العمال الخالد بقيم العمل والجد. ولأنه هناك يمرّ عليه الكثيرون، إلا أنهم يمرون في الغالب بسرعة دون أن يأبهوا لمعرضه الصغير، بما فيه من ألوان وأشكال أو إتقان ومجهود وحب. ولا يهمهم مصير هذه الحرفة التي قضى عليها البلاستيك والمصنوعات الصينية وتبدل أذواق الناس. وإلا فأيهما أكثر حماية من أشعة الشمس القبعة الإفرنجية أم مظلة السعف ذات الجوانب العريضة؟ بل وأيهما أرخص؟ وأيهما يلوث البيئة سلال البلاستيك السوداء أم القفاف التي في معرضه الصغير؟ وأيهما أمتن مراوح السعف هذه أم المراوح الصينية المصنوعة من الورق المقوى؟

من جهة أخرى، الأكيد أن وراء ذلك الشيخ عائلة تنتظر عودته في آخر النهار محملا بحاجياتها اليومية العادية، خبز ومصبرات وبعض الخضر... والأكيد كذلك أن نساء فقيرات في البلدة البعيدة بالجنوب ينتظرن مقدمه ليشتري منهن بالجملة ما ظفرته أصابعهن طيلة الأيام الماضية، وينقل لهن ملاحظات بعض الحرفاء حول تخيّر الألوان أو حجم القفاف أو شكل المظلة. وللحرفاء في العاصمة أذواقهم، فهم لا يستعملون مصنوعات أخرى من سعف النخيل مثل الأطباق وأغطيتها المخروطية الملونة والسجاجيد والمراوح المدورة والزنابيل وغيرها مما يستعمله سكان الواحات في بيوتهم أو في أشغالهم...

كانت صناعة السعف أحد أهم الأنشطة الحرفية في واحات الجنوب، وهي نشاط نسائي أساسا، وقد اشتهرت به خاصة حامة قابس لما تتميز به صناعاتها من دقة وجودة فضلا عن كثرة الإنتاج حتى أنها كانت تفيض به نحو القرى والبلدان الأخرى القريبة والبعيدة وحتى الواحية منها، إلا أن هذه الصناعة اتجهت رويدا رويدا نحو التراجع بسبب التطور، رغم أنها لا تتعارض حقيقة مع متطلبات الحياة العصرية، ثم خاصة لأنها تتماشى مع المفاهيم الجديدة الرائجة في العالم حول الحفاظ على البيئة ومقاومة التلوث، فضلا عن مكانتها كجزء من تراثنا اللامادي.

وإذ تغيب المؤسسات المعنية بالاهتمام بمثل هذا التراث خلافا لما يحظى به من عناية فائقة لدى منظمة اليونسكو والكثير من بلدان العالم من أجل الحفاظ عليه وتمريره من جيل إلى آخر، فإن الممارسة المواطنية تدعونا إلى المساهمة في الحفاظ على هذه الصناعة التي توارثتها الأجيال واحتوت على خبرتها وأذواقها، فقط ننحني لما يعرضها مثل ذلك الشيخ ونقتني مروحة أو مظلة أو قفة.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات