كذبة 9 أفريل..

Photo

الصحيح الوحيد هو أن الشهداء الذين جندلهم جند الاستعمار في مثل هذا اليوم عام 1938، خرجوا مطالبين بالحرية للوطن، وبالديمقراطية أيضا شعارهم "برلمان تونسي"، "حكومة وطنية". الصحيح الصحيح أنهم لم يكونوا ينتظرون جزاء ولا شكورا، والدليل على ذلك أنهم رووا بدمائهم أديم الوطن، وارتحلوا دون أن يبالوا. وحملوا معهم أسماءهم، حتى أنه لا يكاد يعرف اسم واحد منهم أحد. الصحيح كذلك أن أولئك الشهداء أوقدوا جذوة لم تنطفئ في السنوات اللاحقة لكأنهم بثوا أرواحهم في كل النفوس فتحفزت وتقدمت وتجلدت حتى حصلت البلاد على استقلالها.

ذلك هو الصحيح، فيما عدا ذلك وبعد ذلك جاءت كل الأكاذيب. وإلا فما معنى أن يصبح يوم 9 أفريل عيدا للشهداء في حين لم تتوقف جحافل الشهداء بعد الاستقلال؟ وما الفرق بين من يستشهد من أجل الحرية [في عهد الاستعمار] ومن يستشهد من أجل الحرية [في عهد الاستقلال]؟ وبالفعل ففي عهد بورقيبة ثم في العهد النوفمبري لم تمنع الاحتفالات بشهداء 9 أفريل استشهاد أضعافهم في يوم 26 جانفي 1978 مثلا أو في أحداث الخبز في جانفي 1984 أو قبل ذلك بموجب أحكام الإعدام الصادرة عن محاكم استثنائية جائرة أو بعد ذلك تحت التعذيب في أقبية الداخلية وتوابعها، شهداء انسلت أرواحهم واحدا واحدا حتى فاق عددهم شهداء 9 أفريل 1938. وفي 9 أفريل من كل سنة كانت تقام الاحتفالات وترتفع الأيدي للترحم على شهداء 9 أفريل. رحمهم الله، ومن لحق بهم من الشهداء.

ثم مازلنا نتذكر المظاهرات التي كانت تتم في الشارع الرئيسي بالعاصمة في عهد الترويكا وما بالعهد من قدم. عندما كانت الأحزاب كلها تقريبا تنزل بقيادات الصفوف الأولى، وبقواعدها، بأعلامها ولافتاتها وملابسها التي قُدّت من راية الوطن، بشعاراتها وأهازيجها "يا شهيد ارتاح ارتاح سنواصل الكفاح"، بل ويزيدون معبرين عن الاستعداد للشهادة "بالروح والدم نفديك يا تونس".

نتذكر كل ذلك هذا اليوم 9 أفريل 2016، فأين اختفت كل تلك المظاهر من "الوطنية الجياشة"؟ هل نزل منسوبها إلى الحد الذي صيّر 9 أفريل يوما عاديا في حيوات كل تلك الجموع بمختلف تياراتها؟ هل انطفأت دفعة واحدة تلك المهج الفياضة في القيادات والقواعد معا؟ أم قد أصابهم السأم؟ وهل يمكن للوطنية أن تخبو في النفوس بهذا المقدار؟

أم أن الأمر انكشف على حقيقته، فلا وطنية كانت ولا شهداء ولا علم. وإنما كان كل ذلك مجرد معدّات استظهروا بها من أجل أنفسهم هم، وأنهم بالتالي كانوا يكذبون عندما كانوا يتكلمون عن شهداء بلا ملامح، وتخرج من أفواههم عبارات حول وطنية بلا معنى. نعم كان 9 أفريل عندهم كذبة، لا غير. يكذبون على الشهداء، وقد عودونا على أكاذيبهم حتى اقتنعنا بأن السياسة أفضل ميدان للتسابق في الكذب.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات