هُم عجلة الزمن..

Photo

عندما أسمع البعض يزمجرون أو حتى يهمسون مهددين بإعادة الإسلاميين إلى السجون والمنافي، يصبحون بالفعل مدعاة للرثاء وللسخرية في نفس الوقت. لا يملك هؤلاء غير ذكرياتهم السعيدة في العهد النوفمبري، يوم فازوا بوظائف أرفع من إمكانياتهم أو من شهاداتهم، وإنما فقط لأنهم كانوا مخبرين، أو أعضاء في لجان اليقظة، أو عندما كانوا يفوزون بصفقات لا يستحقونها، فقط لأنهم تجمعيون ويسرون يوم تصل رشاويهم إلى النافذين في التجمع وفي السلطة.

لم يكونوا يومها يحسون بطعم الدماء أو الدموع وهم يحصلون على ما كانوا يحصلون عليه. وبالفعل لو استمر الوضع على ما كان عليه، لتمكن أبناؤهم وأحفادهم من السير على منوالهم والاستفادة مثلما كانوا هم يستفيدون. ولذلك فعندهم عهد بن علي خير. أمر طبيعي.

الذين بنوا علاقات مع الطرابلسية، ومع النافذين آنذاك في الإدارة والسلطة بما يمكّنهم من قضاء شؤونهم بالهاتف. لا تهمهم بالأمس ولا اليوم حرية ولا عدالة ولا شفافية ولا نزاهة ولا حتى وطن، وإنما الوطن عندهم يساوي تماما مقدار ما ينهبون. فتراهم قد تقطعت علاقاتهم وشبكاتهم، وتقطعت بذلك أوصالهم. ومن الطبيعي أن يشعروا بأن تونس في عهد بن علي خير. هذا أمر طبيعي.

أما ما هو غير طبيعي، بحجم المصيبة، فعندما تصبح لبعض المعارضين القدامى نفس الأحلام، حتى لكأن البعض منهم يتمنى لو يتحول إلى مجرد سوط بيد جلاد. وكأنهم يعترفون بأن عهد بن علي خير - ربما- بسبب أنه كان يقمع الإسلاميين. أكيد ذكريات مجتزأة.

ما فات هؤلاء وخاصة أولئك أن العهد النوفمبري لو كانت له إمكانيات الحياة لاستمر، ولاستمروا هم يستفيدون منه ويعيشون سعداء كما كانوا بصفقاتهم غير المستحقة ووشاياتهم ومؤامراتهم وأموالهم الحرام. ولكن الأمر دول، ولله الأمر من قبل ومن بعد.

ثمان سنوات مرت، جاءت أجيال جديدة لم تخضع يوما لهياكل التأطير النوفمبري، من هم اليوم دون العشرين سنة لم يعرفوا شعب التجمع، ولا هم يعرفون وظيفة العمد ولا دور المخبرين، ولا تمكن من أوصالهم الخوف من البوليس، ولا تم إغراؤهم بالرحلات والحفلات، ولا استمعوا إلى خطب بن علي ولا من يفسرها من وزرائه، مئات الآلاف من الشبان غير قابلين للسيطرة عليهم من نظام شبيه بالنوفمبري.

ولا شك أنهم سيعبثون بمن يحاول محاكاته، ولا يتركونه يمرّ. إنهم صمام الأمان، هم عجلة الزمن التي لا تدور إلى الخلف.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات