والهيسة هي أحد أنواع التمور بنفزاوة بالجنوب التونسي، وهو ألذّ من الدقلة التي يعرفها الجميع، كما يتميّز عليها بنضجه في الصيف أي قبلها بنحو شهرين أو أكثر. وأما النصّ الذي قرأته فموضوعه مقولة ماركس "الدين أفيون الشعوب" وقد كتبه الصديق محمد كشكار، أصيل واحة جمنة.
لابد لي أن أذكر هنا بأني نسخت "بيان الحزب الشيوعي" بيدي بالفرنسية وأنا في الثالثة ثانوي، دون أن يطلب مني أحد ذلك، وإنما لأعود إليه كلما أردت، ولم أنقطع أبدا عن الاطلاع على الأدبيات الماركسية، سواء الأرثوذكسية أو "التحريفية" ولاشك عندي أن من لم يقرأ ما صدر في سلسلة E100 الصينية، ينقصه شيء أكيد في تكوينه أو ثقافته أو في فهمه للأشياء حوله. وأما مقولة "الدين أفيون الشعوب" فلم أقرأها، وإنما سمعتها في باب الجدل بين الماركسيين والإسلاميين. وأعتقد أنه لم يسبق أن كتب عنها بالعمق مثل الصديق محمد كشكار.
عاد إلى المصدر الذي وردت فيه، وأوردها كاملة في سياقها، "البؤس الديني هو في نفس الوقت تعبيرةٌ عن البؤس الحقيقي وشكوى ضد هذا البؤس الأخير. الدين هو صرخة المظلوم، هو روحُ عالَمٍ بلا روحٍ، هو أيضًا أخلاقُ عالَمٍ بلا أخلاقٍ. الدين أفيون الشعوب ". ولم يقف عند ذلك وإنما أعادها إلى ماركس الشاب، "الفيلسوف الأكثر عمقا من ماركس الكهل"، وهي ملاحظة جديرة بباحث محترف، بعيدا عن المتأدلجين وأنصاف المثقفين.
بطبيعة الحال صديقنا كشكار لم يعد إلى هذه المقولة من باب الترف الفكري، وإن كان للترف الفكري أيضا لذته، وإنما ليضعها في سياقنا التونسي الحالي، في العلاقة بين الماركسيين والإسلاميين، ليصل إلى أنها "ليست جملة إدانة بل جملة فهم" وأن "ماركس يقبل المتدينين كما هم، خاصة المقصين منهم اجتماعيا الذين لا ملاذ لهم إلا الدين".
ثم يطرح السؤال على الماركسي التونسي "ماذا قدّمت للفقير المسلم التونسي؟" ويخاطبه على لسان عامل مسلم تونسي: "أعطني عكازا قبل أن تكسر عكازي! عكاز ربّاني لم يُصنع أفضل منه بعد.. ولن يُصنع! عكاز رفعني من الحضيض إلى السماء".
واضح أنها رؤية عميقة باتجاه بناء علاقة جديدة بين طرفين رئيسيين على الساحة التونسية. إنها تحمل تفكيرا بشكل آخر، تنعكس في طياته في اعتقادي ثقافة الواحات. وأعيد هنا بأن الصديق كشكار أصيل واحة جمنة. والنصّ تسكنه ثقافة الواحات أو روحها، وهي -دون تعصّب- ثقافة تؤسس للبناء والتعايش والمشترك.
في الواحات يتجاور الفلاحون منذ مئات السنين، ويتقاسمون الماء بالقسطاس، ويشتركون في المسارب ويمرون ببساتين بعضهم للوصول إلى بساتينهم، وهم في كل ذلك ينزعون نحو العيش المشترك. وأما الثقافة الغالبة اليوم فهي ثقافة القبيلة، حيث كان التنازع الدائم على المرعى وعلى الأرض والماء، وكل قبيلة تفكر بالقضاء المبرم على المجموعة الأخرى أو ابتلاعها، حتى تستأثر بالأمر، رغم استحالة ذلك عمليا، فقط هو حلم مشايخ القبائل الذين يشحنون أتباهم لاستمرار دورهم هم.
في الواحات الحياة أهدأ وأقل لجاجة، فيها تشارك حقيقي في الحياة وأمام الموت. الصديق محمد كشكار، - منزوع من ثقافة القبيلة، مشبع بثقافة الواحات. وبلادنا في حاجة إلى ثقافة الواحات.