شيخان وثالثهما شيخ..

Photo

يقول المثل الفرنسي: Jamais deux sans trois، وهو ما يمكن ترجمته في واقع الحال، لا يمكن أن نجد شيخين بدون شيخ ثالث. الشيخ الباجي قايد السبسي، والشيخ راشد الغنوشي، والثالث هو الشيخ حسين العباسي. وما الذي ينقصه حتى لا يحتسب معهما شيخا ثالثا؟ الآلة الحزبية لدى الشيخين، يقوم مقامها بالنسبة للعباسي ماكينة الاتحاد، حسب التعبير الشهير لعبيد البريكي. وقد سمعنا صرير محركاتها، كل أنواع الإضرابات القطاعية والجهوية والعشوائية والعامة، بما لم يحدث لا في العهد البورقيبي ولا في العهد النوفمبري ولا حتى في العهد الاستعماري. فكان العباسي آنذاك أكبر فاعل ميداني، بما جعله مقصد الجميع في الداخل والخارج.

وعندئذ فأي فرق في التأثير بينهما وبينه سوى أنه لم يحضر لقاء باريس، ولم يظهر معهما في تلك الصورة الشهيرة، ولكنه كان أكبر مستفيد من لقاء باريس ذاته، فمنذه بدأ يلعب الدور الرئيسي في توجيه الحكم تحت إطار ما سمي بالحوار الوطني. وما وزن الرباعي الراعي لذاك الحوار إن لم يكن ضمنه الشيخ العباسي وأما البقية من أعراف ومحامين ورابطة، فلم يكونوا حقيقة وواقعا سوى كومبارصات؟

نتذكر كذلك دوره الحاسم في ما لم تستطع أحزاب قائمة أن تفرض إدراجه في الدستور، ونتذكر تلك الأحزاب التي كانت في ذاك الحوار تستظل بظله الظليل، الجمهوري، الجبهة، المسار، وغيرها. كان ناطقا باسمها وحاملا لمطالبها وصولا آنذاك إلى الحوار من أجل تشكيل الحكومة البديلة عن حكومة الترويكا. ثم أن ذلك "الحوار الوطني" قد توّجه الشيخ شخصيا بما لا يحلم به الشيخان الآخران، جائزة نوبل، وما أدراك !

وبعد انتخابات 2014 التي تجسد بعدها ثنائي الشيخين، لم يبتعد الشيخ العباسي عنهما، فقد رأيناه يفسح للحكومة كل فرص النجاح، وكان بعد انتخابات 2011 قد رفض هدنة بستة أشهر فقط. فإذا بها هدنة مفتوحة، والعمل حق مقدس. وعندما آذن السبسي للحبيب الصيد بالرحيل واتفق الشيخان على الأمر، رأيناه في حوارات قرطاج، وصولا إلى الإمضاء على الاتفاق الذي تمخض عنها.

ثم سمعناه خلال المفاوضات لتشكيل حكومة يوسف الشاهد. يثمن "الجهود المبذولة في التشاور مع الاطراف المعنية"، ومنبها إلى "ضرورة عدم الاطالة أكثر لصعوبة الظرف الحالي". وحمل كلامه عضو المكتب التنفيذي بوعلي المباركي ليقول أيضا "إن حكومة الشاهد هي الخرطوشة الأخيرة"، وأنه "في حال عدم نجاحها سيتأزم الوضع الإجتماعي". وسمعنا الشيخ العباسي أيضا يرفع فيتو ضد كل من وزير الشؤون الدينية محمد خليل، ووزير المالية سليم شاكر معللا ذلك بأدائهما السلبي على رأس وزارتيهما. وبالفعل وقعت الاستجابة للفيتو العباسي، كما تبين لنا من خلال التشكيلة التي أعلنها يوسف الشاهد.

أكثر من ذلك ورغم أن العباسي قال بأن "المنظمة الشغيلة غير معنية بالحكم"، فقد تبين أن التشكيلة تتضمن على الأقل وزيرين كانا في المكتب التنفيذي للاتحاد عبيد البريكي ومحمد الطرابلسي، وحتى بعد أن انسحب البريكي، فقد بقي للشيخ يده في الحكومة وعينه التي ترى وتبلغ الأوامر، في حضور الشاهد.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات