مشى أحد الخمسة عشر وهو يتبختر في شوارع إسطنبول، كان ذلك هو دوره في الجريمة. والأكيد أنه اختير من أجل ذلك فقط، فقط لشبهه بالقتيل في هيئته أو مشيته أو استدارة وجهه أو لون بشرته. وهو ما رشحه لأن يكون الوحيد من بين الخمسة عشر الذي كُلّف بأن يكون سائحا، وتمتّع تبعا لذلك بزيارته إلى عاصمة آل عثمان، بعد أن ترك بقية جماعته ينهون المهمة التي أتوا من أجلها.
كان دوره قبل ذلك أن يخرج من الباب الخلفي للقنصلية، بعد أن تتم عملية القتل، حتى يموّه على كاميرات المراقبة، ويقوم دليلا على أن أعرافه لم يكذبوا عندما يسألونهم عن خاشقجي فيقولون إنه خرج من الباب الخلفي بعد أن قضى شأنه. ويصدقهم السائلون عندما يراجعون التسجيلات، فلا يفرقون بين القتيل الذي دخل القنصلية والقاتل الذي خرج منها.
ومن أجل ذلك، نزع ثيابه هو، ليرتدي ملابس القتيل، والأكيد أنه لم يكن من الصدفة أنها كانت على قياسه تماما، وربما أيضا على ذوقه.
لبس نظاراته ووضع ساعة يده، ومشى في شوارع إسطنبول، حتى إذا ما شعر بالحرّ نزع سترة القتيل ليضعها على ذراعه. كان يمشي الهوينى حينا، ويسرع الخطى حينا آخر، ويوزّع الابتسامات أحيانا وحتى يضحك، لِم لا؟ ويتوقف أحيانا ليتأمل منظرا جميلا، ويشعر بالجوع أيضا.
كل ذلك من أجل أن يُخفي بصمات الأمير، ولكن لو لم يكن هناك غيره لكان لوحده دليلا كافيا على أنها جريمة قتل تامة الأركان مع سابقية الإضمار والترصّد. وإلا فهل من باب الصدفة أن كان شبيها بجمال؟ وهل كان من الصدفة أن أُسند إليه الدور الذي قام به على أحسن وجه؟
لست أدري إن سبق في التاريخ أن ارتدى القاتل ثياب القتيل، ولكنها المرة الوحيدة التي سجلتها كاميرات المراقبة بالألوان، وكانت دليلا على غباء آل سعود.