الكل في حملات الكره

Photo

عقد حمّة الهمامي ندوة صحفيّة يوم 16 فيفري 2016 تحت عنوان "علاش حمّة.. لحكاية فيها إنّ"، اتهم فيها حركة "النهضة" وحزب "المؤتمر من أجل الجمهوريّة" بالضلوع في حملات التشويه التي طالته وطالت مجموعة من قيادات "الجبهة الشعبية". هذا التصريح يوحي وكأن الرجل كان بعيدا عن الحملات الإعلامية، ثم أصبح عرضة لها دون غيره من قيادات الأحزاب الأخرى، أو أن هناك ميثاقا بين أطراف الأحزاب السياسية يحدد قواعد السلوك بينها، وأن الحزبين المذكورين قد خرقا ما جاء في ذلك الميثاق.

إلا أن الحقيقة غير ذلك تماما، إذ لم تخل الأجواء السياسية من حملات في مختلف الاتجاهات بما تسبب في حالة الإحباط من السياسة والسياسيين من جهة وعودة المنظومة القديمة إلى سالف مواقعها من جهة ثانية. بل بلغت تلك الحملات أن استعملت فيها نفس مفردات ومحتويات الحملات التي كانت تقوم بها الصحف الصفراء ضد معارضي النظام النوفمبري، وزادت عليها منتوجات جديدة. فمنذ انتخابات 2011 وطيلة السنوات الموالية وإلى حد يوم الناس هذا عشنا على وقع القصف المكثف من هنا وهناك، مع استعمال مختلف الأسلحة ضد الخصوم بما في ذلك الإشاعات والأكاذيب والتشويه والتنبير والاتهامات الفجة وصولا إلى الشعارات على الجدران وفي المظاهرات وعلى موجات الأثير وفي البلاتوهات. ولسنا بحاجة إلى التذكير ييعضها مما استهدف غير حمه من القياديين الحزبيين.

تلك الحملات لم يسلم منها حزب معتبر على الساحة، ولم يبق طرف سياسي واحد بعيدا عن القصف قاصفا ومقصوفا، بما في ذلك حزب البوكت والجبهة الشعبية. ومن هذه الزاوية فإن تنديد حمة بما يتعرض له هو يجعله في وضعية من يصيح أولا في معركة عض الأصابع. بمعنى أن البوكت والجبهة الشعبية -منذ تكونها- كانا من الأطراف الفاعلة في قصف الآخرين، يدخل ضمن ذلك الحملات ضد الترويكا التي كانت النهضة والمؤتمر ضلعين أساسيين فيها. وحينئذ كيف يمكن لمن يقوم بحملات ضد الآخرين أن لا يعرض نفسه لحملات مضادة؟ طرح هذا السؤال هنا ليس لتبرير أي قدر أو منسوب من الحملات الإعلامية المتبادلة، وإنما فقط للتذكير بأن شظاياها تصيب الجميع القاصف والمقصوف، وتؤدي إلى تعفين الساحة السياسية، ونفور الناس منها ومن العمل السياسي.

الأنكى من ذلك أن حملات الكره المتبادلة تخلف صورة مشوهة عن الديمقراطية وعن الحرية فضلا عن تشويه الأحزاب والنخبة السياسية عموما، والأكيد أن تجاوز تأثيراتها يتطلب زمنا غير قصير. ولكن ليس قبل أن ينأى الجميع بأنفسهم عن الاستمرار فيها، ويعتذرون إلى جانب ذلك عن سابق الحملات التي انخرطوا فيها شخصيا وحرضوا عليها جمهورهم وأتباعهم، والأهم من ذلك أن يلتزموا بعدم العود إلى مثلها ضد بعضهم البعض. إن الساحة السياسية التي وصلت إلى الحالة التي نعرفها اليوم في حاجة إلى ميثاق أخلاقي تلتزم به أطرافها المختلفة، لعل ذلك ينقذها جميعا من البؤس الذي تبدو عليه والرداءة التي تسودها.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات